سورية تنتصر سياسيا بعد الإنتصار العسكري نقاط على الحروف ناصر قنديل
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
سينفق المحللون والإعلاميون الأتراك والمؤيدون لتركيا ، ومثلهم المعادون لسورية ولمحور المقاومة ، جهدا ووقتا لتظهير نتائج القمة التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس التركي رجب أردوغان ، كإنتصار تركي روسي على حساب سورية ، لأن أحدا لن يستطيع القول أن روسيا خسرت ، فالأفضل أن يلجأ المشككون والمعادون إلى تصوير القمة كتقاسم مصالح روسي تركي على حساب سورية ، لكنه سيكون من الصعب أن يمتلك أحد من هؤلاء جوابا على أسئلة من نوع ، أين أصبح تهديد أردوغان بعملية عسكرية إختار لها إسم درع الربيع وحدد لها موعدا وهدفا هو إعادة الجيش السوري إلى النقاط التي كان فيها قبل بدء عملياته العسكرية ، وأين أصبح الحديث عن إخراج الجيش السوري إلى ما وراء نقاط المراقبة ، وماذا عن الطريق الدولي الذي يربط حلب بدمشق ، الذي بات بيد الجيش السوري بعد معارك ضارية كانت أهمها معركة سراقب ، وأين مصير الأحياء الشمالية والغربية لحلب التي صارت بيد الجيش السوري ؟
القراءة البسيطة لنتائج القمة ، تقول أن ما تناوله الإتفاق يطال ما لم ينجزه الجيش السوري من تطبيق تفاهم سوتشي بالقوة ، فالإتفاق تجاهل كليا ما أنجزه الجيش السوري ، مكرسا ان هذا الجزء من مناطق خفض التصعيد ليس على طاولة التفاوض ، وأن المطروح هو الإختيار بين ان يواصل الجيش السوري مع حلفائه مدعوما بالنار الروسية ما تبقى من تطهير لمناطق يسيطر عليها الإرهاب بحماية وشراكة الجيش التركي ، خصوصا في مناطق تأمين الطريق الدولي بين حلب واللاذقية ، أو أن يقوم الرئيس التركي لحفظ ماء وجهه بتجديد تعهده بالتعاون لتنفيذ هذه المهمة التي تلكأ بتنفيذها ، عبر ضمان فتح الطريق من جهة ، ومواجهة الجماعات الإرهابية من جهة أخرى ، وهنا يمكن بدء النقاش فقط ، فما مضى قد مضى وما كتب قد كتب وما قبل سراقب غير ما بعدها .
النقاش المجدي فقط هو حول ما إذا كان أردوغان سيلتزم هذه المرة بموجباته أم سيعود للمراوغة والتلكؤ ، والرهان على المتغيرات والخداع ، وتاريخ أردوغان حافل بمثل هذه الرهانات الخاطئة ، ولا يوجد عاقل يستطيع ان يقول بأن الوفاء بالتعهدات من خصال أردوغان ، فكيف إذا كان مرغما ، لكن ما يجب وضعه في الحساب كمتغير جديد على أردوغان وفريقه قراءته جيدا ، هو أنها المرة الأولى التي يأتي فيها التفاهم الروسي التركي ليكرس نتائج نصر عسكري سوري بالمباشر الميداني وليس بالحصيلة الإجمالية السياسية للتفاهمات ، ويقلص مسافة الجغرافيا والزمن وفقا لنتائج هذا النصر ، فما تم حسمه حسم وإنتهى ، وما بقي فهو مفتوح لخياري العودة للحسم أو فتح المجال لفرصة ، ويعلم اردوغان هذه المرة أن الموازين التي ستحكم المعارك القادمة ستكون أشد إختلالا لصالح الجيش السوري والحلفاء ، وستكون روسيا اشد إنخراطا بصورة علنية فيها ، وربما لا تكون فرصة بعدها ، وإن كانت فستكون لمساحة أضيق في الجغرافيا والزمن ، بما يتناسب مع خطة القضم والهضم التي يعتمدها الجيش السوري منذ بدء معركة حلب الأولى قبل ثلاثة أعوام ، وتدحرجت بعدها الإنتصارات .
السياق الوحيد الذي تفتحه تفاهمات موسكو واضح ، وهو إستعادة الدولة السورية لكامل جغرافيتها ، وصون وحدتها وسيادتها ، وفتح الباب لتراجع تركي تحت سقف الإقرار بهذه المعادلة ، لأنها الإطار الذي لاتراجع عنه لبناء إستقرار قابل للحياة من جهة ، ولضمان تبديد الهواجس التركية تجاه الملف الكردي من جهة أخرى ، ويبقى إتفاق أضنة مطروحا على الطاولة .