لم تكن صدفة أن يتصدر مصطلح معركة الإستقلال خطاب رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب للبنانيين ، فالقرار الحكومي بتعليق سندات الدين ، ليس قرار نابعا عن العجز والياس ، والدليل بسيط ، وهو أن الوصفة الموازية التي يزينها الكثيرون الذين كانوا شركاء في حرب الإستتباع المالي ، حاضرة ، وهي الخضوع لبرنامج صندوق النقد الدولي ، الذي لم يرفض طلب لبنان كما أحب وزير المالية المصرية ان يقول ليتباهىبالخضوع لوصفاته ، لأن لبنان رفض التقدم بمثل هذا الطلب للصندوق أساسا ، والمعركة السياسية الداخلية الدائرة عنوانها ، الضغط لتقديم مثل هذا الطلب ، الذي يربط منح الأموال اللازمة لسداد المستحقات في مواعيدها برزمة إجراءات تختصر سياسة الإستتباع وتتكفل بإفقار اللبنانيين وتجويعهم ، ولذلك قررت الحكومة التمرد عليها ، وأعلنت معركة الإسقلال الوطني المالي ، داعية اللبنانيين إلى خوض غمارها مع الحكومة .
حرب الإستقلال المالي هي مقاومة وطنية من نوع مشابه للمقاومة الوطنية للإحتلال العسكري الأجنبي ، تستهدف تحرير لبنان من الاحتلال المالي الأجنبي ، الذي يشكل أداة لإنتهاك السيادة الوطنية أشد خطورة من الاحتلال العسكري ، وتختبئ وراءه بالتدريج كل الأهداف التي فشلت محاولات تحقيقها عبر الاحتلال العسكري ، وهذا وحده يفسر إصطفاف كل خصوم المقاومة في معارك الإستقلال الوطني التي خاضتها ، وراء عنوان هو التشكيك بصحة خيار الحكومة ورئيسها ، وزرع الهلع والذعر بين اللبنانيين من مخاطر ستترتب عليه ، كما كانت تحذيراتهم من مخاطر المقاومة للإحتلال العسكري الأجنبي ، وصولا إلى إستعمال ذات التوصيف الذي أطلق على المقاومة في حرب تموز بالمغامرة ، على حكومة الرئيس حسان دياب ، والسؤال البديهي الذي يواجه من ينكرون هذه المعادلة ، ويعتبرونها نوعا من التخيل المفتعل لمنح أبعاد وطنية لقرار الحكومة ، هو لماذا تركزت كلمة وزير مالية دولة غربية عظمى معنية بشأن لبنان ، هي فرنسا التي تدرك جيدا بالمعلومات والتفاصيل ماذا تريد واشنطن من لبنان ، وما هي طلباتها وشروطها للسماح بتعافيه الاقتصادي ، للقول بأن المطلوب هو الفصل بين مساعي تعافي لبنان والمواجهة الأميركية مع إيران ، وهل هذه حروب طواحين هواء أم هي مخاطبة لمنطق أميركي كان حاضرا في مناسبة قول كلام الوزير الفرنسي ، وما هي المواجهة الأميركية مع إيران في لبنان ، غير عنوان معلوم واضح هو المقاومة ، وما معنى ربط الذين يقفون بوجه قرار الحكومة ورئيسها لخطة الإنقاذ بالدعوة لحسم قضية سلاح المقاومة وتحميله مسؤولية ما يسمونه بالإنفكاك الدولي والعربي من حول لبنان ؟
إنها حرب الإستقلال المالي بإمتياز ، وهي الحرب المتتمة لحرب الإستقلال العسكري ، ولا تقل عنها خطورة وجدية ، وحيث لا مكان لوطني لبناني ، بالمعنى الحقيقي للكلمة ، يجد نفسه خارج هذه المعركة التي أعلنتها الحكومة شعارا لها ، وفي هذه الحرب بعدما صارت سياسة حكومية نهائية ، فرصة لكل الذين كانوا حتى الأمس رموزا للسياسات المالية التي تسببت بالأزمة ، وفي مقدمتهم حاكم المصرف المركزي وجمعية المصارف ، للإنضمام إلى جانب الحكومة في خوض غمار هذه المعركة الوطنية ، فالصراع على الخيارات إنتهى ، والمكان الآن متاح من موقع ما يمتلك كل من الفريقين من قدرات وعلاقات وخبرات ، ليمنحوا هذه المعركة طابعا وطنيا شاملا ، ويوفروا على اللبنانيين عذابات كثيرة قبل الفوز بها ، وليكتبوا لأنفسهم مكانة في تاريخ وطنهم ، بأنهم جزء حيوي من الحل ، وليسوا جزءا معطلا من المشكلة ، وبالمثل هي فرصة أيضا لقادة المجموعات الوطنية النظيفة في الحراك الشعبي وهي كثيرة لتخرج من لعبة الكر والفر الشوارعية التي تخدم قوى سياسية سلطوية طائفية تكيد للحكومة لحسابات صغيرة ، وفرصة لقوى تجمع بين السياسة وموقعها في الحراك وفي مقدمتها قوى اليسار ، لتجيب عن سؤال ، كم كان الحلم في الماضي بأن تكون لنا حكومة تخوض معركة الإستقلال المالي ، ومتى تضعون الحسابات الصغيرة جانبا وتقيمون الحساب لقضية وطنية كبرى حجمها بحجم الوطن ؟