إنسحاب أميركي وحكومة توافقية ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل

ناصر قنديل

  • منذ ثنائية الإغتيال الأميركي للقيادي الإيراني قاسم سليماني وقصف إيران لقاعدة عين الأسد ، هدأت المواجهة المباشرة بين القوات الأميركية وإيران ، وبقي التصعيد السياسي الذي طغى عليه فيروس كورونا كإهتمام أول لإيران ولاحقا لأميركا نفسها ، بينما تقدم على المواجهة مع إيران للمرتبة الثانية اميركيا الإستحقاق الإنتخابي الرئاسي ، وقد شهدت المنطقة ثلاثة تطورات كبرى ، تزاوجت خلالها وتناوبت المواجهات الضارية غير المباشرة ، والخطوات السياسية غير التصادمية ، ما أدى إلى طرح سؤال كبير حول إمكانية إقتراب طهران وواشنطن عبر وسطاء فاعلين كفرنسا وألمانيا واليابان وعمان وقطر وباكستان وخصوصا روسيا ، من صياغة تفاهم ينظم التهدئة في السنة الرئاسية ، عنوانه ترسيم التوازنات بعد إختبارها في الميدان وترصيدها في السياسة .
  • جات مجموعة عمليات نوعية عسكريا في أفغانستان إستهدفت القوات الأميركية ، وألحقت أول أذى نوعي بالقوات الأميركية منذ زمن ، زادت الإصابات خلاله على العشرات ، منها قادة وضباط كبار ، وخلال أيام تسارعت المفاوضات بين الإدارة الأميركية وحركة طالبان ، للإعلان في زمن قياسي أيضا عن التوصل لتفاهم على وقف للنار يتخلله تخفيض تدريجي للقوات الأميركية ، تواكبه تسوية سياسية داخلية أفغانية تنتهي بحكومة وحدة وطنية ، وسلم داخلي ، وإنسحاب أميركي كامل ، ومثلما يعرف كل متابع جدي لوضع أفغانستان ، أن إيران لم تكن بعيدة عن التصعيد العسكري الذي إستهدف الأميركيين ، وأنها لم تكن بعيدة عن التفاوض ، ولن تكون بعيدة عن الحكومة الجديدة ، وليست بالتأكيد بعيدة عن خلفية التفكير الأميركي بقرار الانسحاب .
  • شهدت سورية معركة ضارية بين الجيش السوري والجيش التركي ، كانت واشنطن خلالها وراء الجيش التركي ومشروعه بتعويم جبهة النصرة ، وكانت روسيا وإيران في ضفة الإسناد الحقيقي للجيش السوري ، ورغم أن الدعم الأميركي لتركيا كان سياسيا ودبلوماسيا وببعض العتاد العسكري في مجال صواريخ الدفاع الجوي لجبهة النصرة ، قياسا بدعم روسي ناري مباشر عالي الوتيرة للجيش السوري ، وحضور قتالي ميداني فاعل لقوى المقاومة وفي مقدمتها حزب الله إلى جانب الجيش السوري ، خصوصا في معركة سراقب الفاصلة التي كانت الفصل الأخير في هذه المواجهة ، إلا أن توصيف ماجرى بنسبة معنية كواحد من إختبارات القوة بين طهران وواشنطن ، لا يجافي الحقيقة ، وما نتج عنه يعني بوضوح إستحالة الربح في الميدان على حلفاء إيران ولو تم الزج بأقوى حلفاء واشنطن في المواجهة ، وأن الحلف الروسي الإيراني متين لدرجة يصعب فكه ، وأن الحلفاء الذين تدعمهم إيران يشكلون قوى حقيقية قادرة ومؤهلة للفوز بمعاركها .
  • جاءت المعارك السياسية على تشكيل الحكومات في لبنان والعراق ، فنجح حزب الله الحليف الأبرز لإيران في المنطقة ، بالتعامل مع محاولة دفع لبنان نحو الفراغ وتعطيل المسار الحكومي عبر إنسحاب حلفاء واشنطن من الملف الحكومي رهانا على ترك حزب الله مكشوفا ، وترك لبنان بلا حكومة ، فتشكلت حكومة لم يستطع أحد بوصفها أنها حكومة حزب الله ، رغم محاولات واشنطن وبعض حلفائها دفع الأمور بهذا الإتجاه ، وخلال أسابيع بدأت الحكومة الجديدة مسارا يصعب تجاهله لإثبات حضورها وقدرتها على مواجهة التحديات ، كما يقول إسم الحكومة ، بينما نجح الأميركيون في العراق في فرض الفراغ الحكومي وإعادة تشكيلها إلى المربع الأول ، لكن ذلك فتح الباب واسعا امام أزمة سياسية قد تندلع في ظلالها مواجهات أمنية لن يكون الأميركيون في مأمن منها .
  • خلال يوم واحد ، يعلن في العراق عن نجاح رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني الجنرال علي شامخاني ، بالتوصل لتفاهم مع الأطراف المعنية بتسمية رئيس حكومة جديد ، يقضي بتشكيل لجنة من سبعة أعضاء للقيام بالمهمة ، وتسربت انباء عن رفع الفيتو الذي وضعته بعض قوى المقاومة على المرشح الذي قيل أن واشنطن تقف خلف ترشيحه وهو مدير المخابرات مصطفى الكاظمي ، الذي شكل عمليا نقطة تقاطع وتنسيق بين الأميركيين والإيرانيين لفترة طويلة ، وفي اليوم نفسه خرج قائد القوات الأميركية كينيت ماكينزي ، وهو يتحدث عن المواجهة المستمرة مع إيران ، يعلن سحب ألفي جندي إضافي من الكويت بعدما بدأ سحب ألف جندي قبل شهر ، فهل يتم وضع قواعد إشتباك جديدة ، عنوانها قرار الأميركي بالإنسحاب ، مقابل تسهيل الانسحاب الأميركي من المنطقة ، وتظليل المرحلة بحكومات توافقية ، على الأقل حيث يثبت التشارك والإشتباك توازنا يصعب كسره ، كحال أفغانستان والعراق  ؟

2020-03-11 | عدد القراءات 16146