ناصر قنديل
- تنتصر المعارضة في أي بلد عندما تكون متسلحة بمعيار علمي في مقاربة أي ملف وتحاسب الحكومة على أساسه لأنها تراكم وعيا في عقول الناس ينمو تدريجا لينضم إلى الدعوة للمحاسبة ولا تستطيع اي حكومة فاسدة أو فاشلة مواجهة معارضة منهجية لا ترتكب أخطاء قاتلة كالكيدية وإتباع الحقد في تحديد مواقفها ، والمثال تقدمه تجربة حكومة الرئيس حسان دياب خلال الفترة البسيطة التي أعقبت نيلها الثقة النيابية مع المعارضة المكونة من أحزاب كبرى وعريقة ، بينما الحكومة التي نالت دعم وثقة غالبية نيابية من احزاب كبرى لا تملك دفاعا عنها بحجم ما تتلقى من هجمات ، وهذا بالمناسبة لصالحها ، لأنه يحرر الحكم الشعبي عليها من ثنائية المواجهة المزمنة بين فريقي 8 و14 آذار، وضعفها في المواجهة لا يضعفها أمام الناس ولو كانت بلا حجة تقابل حجج خصومها لإدانتها ، بل ربما يتيح محاكمة أحادية لحجج الخصوم ، وإصدار الحكم عليها .
- ملفان رئيسيان تعاطت معهما حكومة الرئيس حسان دياب خلال هذا الشهر الأول من عملها الدستوري ، الأول هو ملف سندات اليوروبوند ، حيث إصطف المعتدلون من خصومها تحت دعوات السداد والتوجه نحو المؤسسات المالية الدولية لطلب عونها في تأمين قدرة على السداد ، وإتباع شروط تضعها هذه المؤسسات وفي طليعتها صندوق النقد الدولي ، ووقف الصقور يربطون القرار بالضغط على حزب الله لتغيير مواقفه بما يحقق الرضا الخليجي والأميركي كشرط لما أسموه إستعادة ثقة المجتمعين العربي والدولي ، لكن الحمائم والصقور أجمعوا على أن الإمتناع عن السداد سوف يحول لبنان إلى كوريا شمالية ثانية ، محاصرا ومقاطعا ، وقالوا أن الإمتناع سوف يرتب فورا حجزا على أملاك لبنان وموجوداته في الخارج وفي طليعتها الذهب ، وأن القرار إعلان إفلاس سوف يعقبه إنهيارفي سعر العملة ، وإعلان إستحقاق كامل سندات الدين اللبناني دفعة واحدة ، وها نحن بعد مضي الأسبوع الأول على القرار الحكومي ، والإعلان من الجهات الدائنة عن عزمها على قبول القرار الحكومي والدخول بالتفاوض الودي على اساسه لهيكلة الدين ، ومع إعلان جهة بوزن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بوصف كلام رئيس الحكومة بالجريئ والواضح والذي يشخص الأزمة ويفتح طريق حلها ، لا نحتاج إعتذار المعارضة التي بنت مواقفها على الحقد والكيدية ، فيكفي أن اللبنانيين الذين كانوا يراقبون ويتابعون ويسمعون ، عرفوا من يحتكم للعلم والمصلحة الوطنية ويرى أمامه بوضوح، ومن لامشكلة لديه بخوض حرب تيئيس اللبنانيين والتشجيع على إعلان إفلاس بلده ، فقط لأنه ملتزم بمشروع سياسي داخلي وخارجي يملي عليه ذلك .
- الملف الثاني هو ملف فيروس كورونا المستجد ، الذي نالت الحكومة ووزارة الصحة فيه ما يكفي من التجريح والتهجم ، مرة بداعي أن الحكومة والوزير وضعا العلاقة بإيران فوق المصلحة الوطنية ، وقد مرت التجربة لتقول العكس دون حاجة لشرح تفاصيل يتداولها اللبنانيون ، ومرة بداعي أن الحكومة والوزير يخفيان الحقائق ، واخرى بداعي أن المواجهة ليست بالمستوى المطلوب ، لكن دون حجة أو رقم ، حتى تدخل وزير صحة سابق من صفوف معارضي الحكومة ليستعمل الرقم فإخترع معادلة لا وجود لها أسمها سرعة الإنتشار ليقول أن لبنان في مرتبة اسوا الدول في مواجهة الفيروس والنمو فيه يزيد عن 29% ، حيث زيادة عدد المصابين في دولة من مصاب إلى إثنين تعني سرعة نمو 100% ، فهل هذا يضع هذه الدولة وفقا لمعياره في مرتبة أدنى من دولة يزيد مصابوها من 2000 إلى 3000 في يوم واحد فقط لأن نسبة الزيادة هنا هي 50% ، إنها الهرطقة بعينها ، وفي هذا الملف مقياس واحد له قيمة ، هو نسبة المصابين من عدد السكان ،وترتيب هذه النسبة بين دول العالم وتحرك هذا التريب صعودا ونزولا ، فقبل عشرة ايام كان لبنان في المرتبة 17 من حيث نسبة المصابين لعدد السكان ثم صار بالمرتبة 19 ومن ثم بالمرتبة 23 وهو اليوم في المرتبة 31 أي أن نسبة المصابين لعدد السكان ترتفع بسرعة اكثر في دول أخرى لتتخطى لبنان ، رغم أن نسبة المصابين لعدد السكان في لبنان زادت من 9،6 إلى 11،3 و12،2 و13،6 وصولا إلى 14،5 لكنها بقيت دائما تحت المعدل الوسطي لهذه النسبة عالميا والتي تزداد هي الأخرى طبعا وهي اليوم 21،5 ، وهذا معيار موضوعي للحكم بالمقارنة مع دول العالم على مقياس هو درجة ومرتبة تعامل الحكومة ووزارة الصحة مع مواجهة الفيروس ، وبالمناسبة عندما تكون النسبة في لبنان 14،5 من كل مليون وفي إيطاليا 409 بالمليون وفي سويسرا 256 وفي النروج 227 وفي كوريا الجنوبية وإيران 156وفي الصين 56 وتتقدم لبنان في النسبة ثلاثون دولة أغلبها من العالم المتقدم ، فهذا لا يدعو لليأس ، ولا يتيح القول أن الحكومة فاشلة ، من دون أن يعني هذا الدعوة للإسترخاء فلبنان يقع في عدد الإصابات بين ثلاثة فئات ، فئة فوق المئة تضم 47 دولة تسبق لبنان بدخول دائرة الخطر بعدما كان لبنان في المرتبة 19 من حيث عدد الإصابات ، و47 أخرى بين 10 و100 إصابة يطمح لبنان للبقاء ضمنها أو مغادرتها للبقاء في أسفل سلم الدول التي تزيد إصاباتها عن ال100 ، وفئة من 70 دولة لا تزال دون ال10 إصابات هي الأكثر أمانا ، يبدو أن لظروف المناخ الأفريقي وجغرافية دول آىسيا الوسطى دورا في تخفيف إنتشار الفيروس فيها، حيث ربما يكون التواصل البشري المحدود في هذه الدول نعمة بعدما كان يبدو أنه نقمة .
- المعارضة الفاشلة والمفلسة تخترع الأسباب لتبرير مواقف عدائية للحكومة سرعان ما تبدو طلبا للشر ليصيب البلد فتخسر مرتين ، بخيبة رهانها ، وبسقوطها بأعين الناس .
2020-03-16 | عدد القراءات 1333945