إنتهت الدولة الممسوكة ولم تقم الدولة المتماسكة نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
مع الشعور بالمهانة والذل اللذان يقبضان على أنفاسنا ، ونحن نرى مشهد وصول العميل عامر فاخوري إلى أحضان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، تغمرنا التساؤلات حول كيف تمكن الأميركيون من النجاح في ترتيب هذا الإنتهاك السافر لما هو أبعد من سيادتنا ، وصولا لوصمة عار أصابت كرامتنا الوطنية ، في ظل زمن نعتز ونفتخر بأنه زمن المقاومة التي حررت وحققت النصر تلو الآخر ، وهي تزداد قوة وتصير الرقم الأصعب بلا منازع في معادلات المنطقة ، لكنها تبدو الرقم الضعيف في معادلة الدولة اللبنانية .
لن تغير من قناعة أي وطني أو مقاوم ، كل دموع التماسيح التي يذرفها أدعياء السيادة وهم يصبون جام غضبهم على المقاومة ، ولا يهمهم أن يكون الأميركي قد قام بإنتهاك سيادتنا ، بقدر ما يعنيهم تسجيل الشماتة وزرع الشكوك ، فالعمالة ستبقى تحمل إسما واحدا هو العمالة وستبقى جريمة لا يسقطها مرور الزمن ، والأميركي سيبقى هو الراعي والحامي لفكرة العمالة ، والذين يلوذون به سيبقون أحصنة طروادة لتفكيك عناصر القوة في بلدنا ، وسيبقون مشاريع جاهزة للإنقضاض على أحلامنا التي أصيبت في الصميم مع هذا المشهد المخزي والمشين الذي وسم لبنان المقاوم والمنتصر على العدوان .
نستذكر ما قبل وما بعد التحرير ، والمقاومة لم تكن بقوتها اليوم ، ونتساءل هل كان هذا ليحدث في عهد الرئيس العماد إميل لحود ، قائدا للجيش أو رئيسا للجمهورية ، ونقطع بالجواب نفيا ، ونستذكر أن حروبا خيضت على تلك المرحلة وجرى توصيفها كمرحلة سوداء مرة بوصفها بأنها نموذج عهد الوصاية ، ومرة بزمن النظام الأمني ، والمقاومة وجمهورها ومحبوها لم يمانعوا في التعامل بإيجابية مع دعوات الخروج من الدولة الممسوكة ، التي كان عنوانها الدور السوري في لبنان ، وهو دور سيبقى ، مهما قيل فيه من الذين لم يقدموا شهيدا واحدا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي طوال عشرين عاما ، مصدر القوة التي نشأت في كنفها الدولة ونمى في حضنها مشروعها ومؤسساتها ، وطويت في ظلاله صفحة الحرب الأهلية .
سورية ليست معنية بهذا النقاش ، وهي بالحزم والجزم والقول النهائي الذي لا رجعة عنه ، لن تعود للعب دور في لبنان ولو طلب منها كل اللبنانيون ذلك ، فقد إختبرت سورية قوتها وهي خارج لبنان ، كما إختبرت مصر في حرب الإستنزاف مع جمال عبد الناصر قوتها بعد الانسحاب من اليمن ، وإكتشفت سورية في تجربتها مع الرب التي خيضت عليها ، مكانة مفهوم السيادة الوطنية كمحرك معنوي للشعوب ، وبمثل ما ترفض أن يتدخل أحد في شؤونها قررت أنها لن تتدخل بشأن أحد ، ولذلك ليس أمام اللبنانيين وهم يقولون لا للدولة الممسوكة إلا أن يبقوا على كلامهم لأنهم لن يجدوا من يتولى إمساكها مجددا ، وبالتالي عليهم الإختيار بين دولة الجزر والشظايا التي يعيشون في ظلها ، والتي يسهل إختراقها والتلاعب بها كما قالت الأيام السوداء لعملية إختطاف جزار الخيام ، رغم ملفه القضائي الذي أعيد فتحه ، وتهريبه بطائرة من معبر غير شرعي عبر السفارة الأميركية في عوكر ، وبين الدولة المتماسكة ، الدولة التي لا يخشى فيها القاضي على مصالحه ويخاف العقوبات أو يضعف أمام الإغراءات ، ولا ينطق إلا بالحق بلسان الشعب اللبناني ، ولا يجرؤ فيها أي كان على العبث بسيادتها ، والسير بين شقوقها العسكرية والأمنية والدبلوماسية .
خرجنا من الدولة الممسوكة ولم ندخل الدولة المتماسكة ، فرصنا مجموعة جزر وشظايا ، تحكم علاقاتها مصالح تخص كل منها وسياسات تسير كل منها ، وحسابات تتحكم بكل منها ، وها نحن في الملف المالي كما في الملف الأمني كما في الملف القضائي نشعر بهشاشة الدولة ، وضعفها كفكرة ، وغيابها كمشروع .