كانت المعادلة السائدة في العالم حتى الأمس أن أي مشكلة يحتاج العالم لمواجهتها إلى التقدم العلمي والصناعي وحضور الدولة المتقدمة ، ستتبدد عندما تدق أبواب الغرب ، حيث تتوافر عناصر القوة على كل هذه الأصعدة ، ومعها التوازن بين نسبة القدرة الاقتصادية وعدد السكان
يرتفع منسوب القلق في العالم عندما يواجهة مشكلة تحتاج ذات عناصر القوة ويجدها تدق أبواب الشرق خصوصا حيث الإكتظاظ السكاني ، وضعف التقاليد المرتبطة بالتقدم العلمي والمستوى الثقافي ، ودائما كان النموذج هو الصين من جهة الشرق وأوروبا وأميركا من جهة الغرب ، حيث في الصين ضعف سكان أوروبا وأميركا معا ، وفيهما ضعف موارد الصين ومقدراتها العلمية
هي المرة الأولى حصرا ، والأمر لا يحتاج لمراجعة تاريخية ، حيث يحدث العكس ، فالصين تخرج من أزمة علمية صحية ونظامية وثقافية وإدارية ، وحدها دون أن يقدم لها أحد مساعدة أو عون ماليا او علميا ، وعدد مصابيها الفعليين اليوم هو أقل من 2% من مصابي العالم .
يتصدر الغرب بجناحيه الأوروبي والأميركي اليوم لائحة تفشي فيروس كورونا ، حيث تضم خمسة دول هي إيطاليا وأميركا وألمانيا واسبانيا وفرنسا 180 ألف مصاب من اصل 280 ألفا في كل العالم ويتوقف مصير تفشي الوباء على مصيره في هذه الدول ، وترتفع صرخات المناشدة للصين التي تتقدم بكل نخوة وسخاء ومسؤولية لتقدم المساعدة وتشهد اليوم إيطاليا وأسبانيا على المساهمة الصينية ودورها في بدء تحقيق التوازن في مواجهة الفيروس أملا بالإنتقال إلى السيطرة
ليس الأمر بسيطا ، ولا عاديا ، ولا عابرا ، إنه إعلان أفول مرحلة وصعود مرحلة ، فدولة الرعاية وثقافة الإنضباط الاجتماعي ، تتقدمان على آخر منتجات الثقافة الإستهلاكية ودولة الشركات والبورصة
تقدم نيويورك عاصمة الغرب مثالا عن تهاوي الإمبراطورية الغربية حيث تسجل أعلى نسبة عالمية لإنتشار الفيروس بنسبة إثنين بالألف وتسجل أدنى مستوى من الرعاية الحكومية لمواطنيها بالقياس لما يجري في العالم كما يقول عمدتها
قام التنافس التاريخي بين العقائد والأفكار وأشكال الحكم وأنماط الإقتصاد ، بمدى قدرتها على تجنيب البشرية مشاهد عرفتها في الحرب العالمية الأولى حيث كان الإستغناء عن حياة البعض بسبب الشعور بالعجز والضعف شرطا للحفاظ على حياة بعض آخر نظرا لمحدودية وسائل الحياة والعلاج ، وها نحن نشهد المأساة الإيطالية تعيد امامنا تلك الصورة الجارحة .