هل سيتمنى الحريري لو بقي رئيسا للحكومة ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل

ناصر قنديل

  • يجمع الخبراء والمحللون والمفكرون عبر العالم أن ما قبل الكورونا غير ما بعده ، ويبدو حجم التغيير الذي سيتركه هذا الفيروس المجهري على حركة القوى والدول العملاقة ، تاريخيا وأكبر من أن تحتويه توقعات مسبقة ، كما يبدو لثبات الحكومات في مواجهته ونجاحها في الحد من تأثيره الكثير من التأثير على تقييمها الدولي والداخلي ، بصورة لا تعبر عنها حسابات التقييم لما قبل الكورونا ، والمحكومة بالسياسة ومفاهيمها وإصطفافاتها التقليدية قبل الكورونا ، داخل كل بلد ، وعبر العالم ، وفي معادلات العلاقات الدولية ، ومن يراهن على أن الحكومة اللبنانية التي كانت تنوء تحت عبء قضايا بحجم الأزمة المالية وتداعيات الإحتجاجات الشعبية ، سيتكفل فيروس كورونا بدفعها إلى الهاوية ، ربما يتكشف أنه قد إرتكب خطأ جسيما ، لأن ما بعد هذا الفيروس غير ما قبله في كل شيئ .
  • من التداعيات المتوقعة لهذه الحرب العالمية مع فيروس كورونا ، ما بدأنا نشهد مؤشراته التي يقول الخبراء أنها ليست إلا رأس جبل الجليد ، سواء على مستوى الركود الاقتصادي ، أو فقدان السيولة النقدية ، او الإمتناع عن سداد الديون ، أو إنهيار البورصات ، وإفلاس الشركات ، وزيادة نسب البطالة والتضخم ، وصولا إلى ما يقول عنه كثير من الخبراء أنه الحاجة لتصفير الإقتصاد العالمي ، ويقصدون بذلك ما يتحدث عنه كثير من أساتذة الاقتصاد السياسي ، إعتبار العام 2022 العام صفر ، فتشطب الديون التي كانت قبله ، ويتم تثبيت تفاهمات على تسعير جديد ربما يكون الدولار نفسه عملته الرئيسية لكن بشروط جديدة ، وربما تكون سلة عملات يدخل معها الذهب وبعض السلع الإستراتيجية كالنفط والأرز والقمح والشعير والسكر والبن والشاي ، كوحدة تسعير ربما تحمل إسم كورونا ، وبالتالي لن يكون لبنان بالتأكيد المتعسر الوحيد أو الأبرز ، بل سيكون واحدا من العشرات وربما المئات من الدول ، التي سيحتاج الاقتصاد العالمي من أجل لإنتقال إلى الإنتاج من الركود ، إلى إيجاد حل شامل لمشكلاتها سيكون حكما حسم الجزء الأكبر من الديون إن لم يكن تصفيرها ، وها هي إيطاليا اول المعنيين .
  • من التداعيات المتوقعة لهذه الحرب العالمية ، تراجع الإصطفافات السياسية التصادمية والعدائية لحساب التهيؤ لزمن تسويات يفرضها مناخ دولي ، وشعبي ونفسي ، كما تفرضها عملية الحاجة لتركيز الإمكانات والجهود على مواجهة تحدي كورونا ، ما يحول دون مناخات تصعيد وتهديد بحروب ، وستكون النزاعات العسكرية إلى تراجع ، ومثلها التموضعات العدائية ، ويفتح الباب لدبلوماسية الكورونا لتسويات في منتصف الطريق ، وسيكون نموذج أميركا والصين ، ونموذج الإمارات وسورية ، قابلين للتكرار والتوسع والتعمق ، ولن يكون بعيدا الموعد الذي نرى فيه علاقات سورية سعودية ، ولاحقا سعودية إيرانية ، وتهدئة وربما تسوية أميركية إيرانية .
  • في زمن مواجهة كورونا إذا طالت إقامته ، سيكون للمواد الغذائية والإستهلاكية وتوافرها ، دور حاسم في صناعة الصمود ، وستصبح دولا مثل سورية تحقق إكتفائها الذاتي وتنتج زراعيا وصناعيا ما يفيض عن حاجاتها ، عملة نادرة ، تبحث عن جيرتها الدول التي ستعاني بلا إستثناء نقص الموارد ونقص المواد ، فكيف سيكون الحال مع لبنان الذي سينظر شعبه بكل تلاوينه إلى جيرة سورية كنعمة ، رغم ما روج له الكثيرون بتوصيف العلاقة معها كنقمة ، وسيجد اللبنانيون قرشهم السوري الأبيض في يوم الكورونا الأسود ، ويكتشفون ضيق أفق وحجم حقد ، من ينادونهم بمعاداتها ، وهي الدولة الأوفر قدرة بالموارد العينية ، والأكثر تشددا بالمعايير الصحية ، وربما الأهم تجهيزا بكادرها ومنشآتها الطبية على مواجهة الأزمات ، وكل ذلك بأكلاف تكاد لا تذكر بالقياس لسلم الأسعار اللبناني .
  • من التداعيات المتوقعة لمرحلة ما بعد كورونا ، تغيير هيكلي في طريقة تفكير النخب والشعوب ، فالحكومات لن تستطيع الصمود إن إستخفت بالشعوب وحقها بالأمان الذي سيتقدم كثيرا على معايير الديمقراطية والحرية وسواها من عناوين الحكومة في القرن العشرين ، كما لن يكون من السهل إسقاط الحكومات أو تهديدها بالفوضى إن نجحت بتوفير الشعور بالأمان ، فالتجربة القاسية مع كورونا كشفت أهمية الحكومات والإنتظام العام كمبدأ ، بما هو أبعد وأعمق من تقييم الجودة في الأداء ، وكشفت خطر الوقوع في الفوضى أو العبثية أو التفلت من الإنتظام ، فكيف إذا إجتمع قدر من الجودة مع قدرة على تحقيق الإنتظام ، والأهم معهما الترفع عن المصالح الخاصة ، والإبتعادعن إثارة الشبهات حول وجودها .
  • كثيرة هي الأشياء التي ستحدث ، والتي ستجعل الرئيس الحريري يتمنى لو بقي رئيسا للحكومة لتحدث في زمان رئاسته لا رئاسة سواه ، سواه الذي ربما تدخله التجربة نادي رؤساء الحكومات من بابها الواسع .

2020-04-01 | عدد القراءات 16231