الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مهددان بالتفكك ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
تنبأت غونداليسا رايس بتفكك الإتحاد السوفياتي ، عندما كانت صفتها الباحثة التي نالت شهادة الدكتوراة في العلوم السياسية قبل أكثر عشر سنوات من توليها أي مسؤولية حكومية ، ونالت بسبب أطروحتها مكانة علمية لفتت نحوها الأنظار ورشحتها للمناصب التي تبوأتها في عهد الرئيس جورج بوش الإبن ، وقالت في وصفها لما سيجري في الإتحاد السوفياتي ، وقد جرى فعلا ، "إن الإمبراطوريات التاريخية والدول العظمى المعاصرة ، ترحل وتتفكك فجأة دون أن تمنحك مقدمات تراقبها وتبني عليها سياقا طويلا ينتهي بالتفكك ، إنها كما الطوفان والزلزال عملية تحدث فجأة ، إنها تحدث وحسب "، وهذا الكلام الذي صح في حال الإتحاد السوفياتي ، لا يمكن إنكار إمكانية أن يصح أيضا في حال غيره من الإمبراطوريات والدول العظمى .
ما يشهده الإتحاد الأوروبي هذه الأيام ، بخلفية فهم إضافية لأسباب خروج بريطانيا من الإتحاد كعلامة على نهاية الزمن الإفتراضي لعمر الإتحاد ، وبدء تبلور أسئلة شعبية حول جدوى البقاء تحت عباءته ، يقول أن مخاطر حقيقية تتهدد إستمرار الإتحاد ، الذي فقد وظيفته في الجغرافيا السياسية والإقتصادية الدولية كإطار جامع لأوروبا بغربها وشرقها يتيح بقوة الحوافز المالية ، الحلول مكان حلف الأطلسي ، لمحاصرة روسيا داخل حدودها ، وهو اليوم يفقد قدرته على تقديم نموذج قادر على الحياة في مواجهة نوعين من الأزمات ، لا مبرر لبقائه إذا عجز عن إثبات أنه آلة جماعية أشد فعالية من القدرات المنفردة للدول على مواجهتها ، النوع الأول هو أزمات الإنهيارات المالية التي عصفت باليونان وإيطاليا وأسبانيا ، وظهر خلالها الإتحاد ، بخلفيته الفرنسية الألمانية ، جهة مصلحية تتخذ مسافة من الدولة المهددة ، وتكون مساهمتها محكومة بسقف هو الإقراض كما يفعل صندوق النقد الدولي ، مقابل شروط ، والنوع الثاني هو التهديد الذي مثله فيروس كورونا ، حيث لم يظهر الإتحاد أنه موجود ، وبدت خطط المواجهة محلية حصرا ، كما بدا العجز محليا ، لكن بدت المعونة حاضرة من خارج الإتحاد ، وخصوصا من الصين وروسيا ، المفترض أنهما من خارج نادي الأصدقاء التقليديين .
عندما يدخل الصينيون بمئات الأطباء والخبراء وأطنان المعدات والمستشفيات الميدانية إلى إيطاليا ، وعندما يحرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الطريق البري لشاحناته العسكرية لنقل المساعدات والخبراء والأطباء نحو إيطاليا ، فليس من المبالغة القول أننا أمام حركة معاكسة لسقوط جدار برلين ، ونحن نرى بأم العين أن دول أوروبا الشرقية تتهم بالخيانة أوروبيا ، وهي تتوجه بالشكرعلى المعونة الصينية والروسية كما فعل رئيس صربيا ، وتتسابق بإعلان تخليها عن علم الإتحاد الأوروبي ، وعندما نرى المشهد يتكرر بقوة في إيطاليا واسبانيا ، بإنزال أعلام الإتحاد الأوروبي ، ونقرأ مقالات وآراء لقادة في الدولة والأحزاب تطرح أسئلة وجودية حول فرص البقاء في الإتحاد الأوروبي ، وصولا للتشكيك بمبررات بقائه ، عندها علينا أن لا نتردد في طرح السؤال عما إذا كان الإتحاد ، وربما منظومة اليورو ، وليس منظومة الشنغن فقط ، تتهددهم مخاطر الزوال ؟
في الولايات المتحدة الأميركية أسئلة لاتقل خطورة تتعالى أصواتها في العديد من الولايات الأميركية ، حول النظام الفدرالي وماذا يقدم لولاياتهم ، خصوصا بالنسبة للولايات الأكثر دخلا ومساهمة في الميزانية الفدرالية ، ومع تفشي فيروس كورونا ، ظهرت الحواجز على مداخل الطرق الكبرى التي تربط الولايات ببعضها ، توحي بأن المطلوب تأشيرة دخول تمنحها الولاية لأبناء الولايات الأخرى ليتاح لهم الدخول إلى أراضيها ، وهذا كاف للقول أن النظام الفدرالي أصيب في الصميم ، وتقدم ولاية نيويورك نموذجا عما تعانيه مع النظام الفدرالي عبر المشاهد التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي لمستشفياتها ، بحال تدعو للشفقة ، على مرضى يتوزعون أسرة حديدية صدئة ، في الممرات والباحات الخلفية ومواقف السيارات ، وأسئلة كبرى عن جدوى البقاء في النظام الفدرالي ما دام عاجزا عن تقديم النجدة عند وقوع الكارثة ، وبعد زلزال كورونا لن يكون مستغربا ، مع تداعي البورصات والنظام المصرفي ، ان نشهد تصاعدا في النقاش حول مبررات تحمل الشراكة في الخسائر ، وحول جدوى النظام الفدرالي نفسه ، تلاقي دعوات إستقلال ، قديمة متجددة لأصوات وازنة في عدد من الولايات تنادي بالتمرد على الصيغة الفدرالية ، وستلقى مزيدا من المؤيدين كلما بدا النظام الفدرالي عاجزا .