لاحروب في زمن الكورونا وما بعده نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
تتكاثر التحليلات عن فرضية يسميها أصحابها بالهروب إلى الأمام ، ومضمونها قيام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحرب خارجية كبرى تصرف الأنظار عن الفشل في مواجهة فيروس كورونا ، وتتيح للرئيس الأميركي خلط الأوراق والحصول على فرص أفضل إنتخابيا ، والسيطرة على حملات خصومه داخليا بالإستناد على مفهوم الروح الوطنية في حال الحرب ، ويندرج في إطار هذا التقدير الحديث عند البعض عن حرب كبرى على الصين ، أو أخرى على إيران ، أو ثالثة في العراق بوجه قوى المقاومة ، وهي الأكثر رواجا بين الفرضيات ، لتناسبها مع التهديدات الأميركية ، ومع بعض الإجراءات كنشر صواريخ الباتريوت في قواعد أميركية في العراق .
مشكلة هذا التحليل أنه مبني على منهج كلاسيكي ينتمي لزمن ما قبل الكورونا أولا ، ويفترض ضمنا دون تدقيق أن الحرب ستنتج وضعا أفضل لمن يخوضها ، وخصوصا عند الحديث عن حرب أميركية ، فمن قال أنها ستحقق الفرضيات التي يجري تبريرها كخيار بضمان تحقيقها ، ومن قال أن الحرب ستكون نتائجها لصالح أميركا سواء على الصين أو غيران او حتى في العراق ، ومن قال أنها ستحسن شروط ترامب إنتخابيا ، ومن قال أنها ستعزز وضع ترامب بوجه خصومه الداخليين ، وكلها مجرد فرضيات تحيط بها شكوك كبيرة ، بل يرجح أن النتائج المرتبة على الحرب ستكون عكسية في كل هذه المحاور .
أما عن إنتماء هذه التحليلات لما قبل زمن الكورونا ، فذلك لأن الحرب تجمع لأربعة عناصر ، أولها النوايا والإرادة ، وثانيها المقدرات والحسابات ، وثالثها التفويض الشعبي والسياسي ، ورابعها المناخ السياسي والظرف الدولي والإقليمي أو درجة القدرة على فرض المشروعية ، وفي هذه العناصر الأربعة تغيرت الكثير من الأمور ، فإن وجدت النية تزعزعت الإرادة ، وإن وجدت المقدرات العسكرية تراجعت لدرجة الصفر القدرة على تخصيص الموارد المالية ، وإن كان التفويض الشعبي والسياسي ضعيفا يمكن الرهان على تعظيمه فقد صار معدوما لدرجة الإستحالة في الرهان على التلاعب به ، والمناخ السياسي الذي كان مشوشا صار مغلق المنافذ بالكامل مع سيطرة كورونا على المشهد وتقدمه كأولوية لا سواها على المستويات الدولية والإقليمية .
ما بعد كورونا ، والأمر لن يكون قريبا ، سيدخل العالم مرحلة من التشوش الاقتصادي والسياسي وضعف الموارد ، واولوية خطط النهوض الاقتصادي ، وإعادة تقييم مفهوم السياسة وخصوصا نظريات الحرب والإنفاق عليها وعلى إحتمالاتها ، وسيشهد العالم وليس أميركا وحدها ، إعادة نقاش كل مفاهيم السياسة الداخلية والخارجية واولوياتهما ، وهذا لا يعني فقط أن أميركا وحدها مغلولة اليدين عن الحروب ، بل يعني أيضا ان القوى المناوئة لواشنطن ، مهما كانت وجاهة القضية التي تحمل لواءها كقوى المقاومة ، لن يكون سهلا عليها حشد بيئتها الشعبية أو حجز المقدرات والإمكانات اللازمة لخوض حروب مشروعة ، كانت تحظى بالأمس القريب بالتفويض الشعبي والسياسي .
الأسابيع المقبلة هي مخاض سريع لتتموضع القوى المنخرطة في نزاعات ، سواء من يقف على ضفة حروب عدوانية ، أو من يقاومها ، في آليات مباشرة او غيرمباشرة لصيغ معلنة أو ضمنية لوقف النار ، والتهدئة ، وخلالها ستنشط مساعي التسويات ، فوق الطاولة وتحت الطاولة ، فالحرب لم تعد عملة رائجة في زمن الكورونا ، والأحمق من يبادر إليها لأنه سيخسرها بسبب تمكين خصمه من الحصول على التفويض اللازم لردعه ، كما تقول أحداث اليمن هذه الأيام ، والعاقل من يبادر للتفاوض كما يفعل رئيس الحكومة العراقية المستقيلة الدكتور عادل عبد المهدي .