نبيه بري وقواعد الإشتباك الداخلية الجديدة نقاط على الحروف ناصر قنديل

 ناصر قنديل

  • كانت الحياة السياسية منذ إستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري بحال فوضى تبحث عن مدونة سلوك تضبط إيقاع العلاقات بين القوى السياسية ، التقليدية التي إنهارت شراكاتها بفعل إنتفاضة 17 تشرين وتداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية ، والمستجدة التي إستحضرتها الإنتفاضة أو منحتها فرصة الحضور بأحجام جديدة ، وعدلت وبدلت في أحجامها على ضوء مسار إستخدامها للإنتفاضة .
  • شكلت تسمية الرئيس حسان دياب لرئاسة الحكومة ومن بعدها تشكيل الحكومة ونيلها الثقة مجرد أخبار في سياق الفوضى القائمة ، وبقيت حالة الإنكار سائدة لوجود متغير دخل على المشهد هو حكومة جديدة برئاسة حسان دياب ، وسعى فريقان كبيران يجمعهما الكثير ويفرق بينهما الكثير لمواصلة التصرف على خلفية هذا الإنكار ، هما تحالف القوى التقليدية التي صارت خارج مؤسسات الحكم وتحالف القوى الجديدة والمستجدة والقديمة الجديدة التي صعدت مع الإنتفاضة .
  • خلال شهرين كان مستجد كورونا وكانت تداعيات سندات الدين المستحقة ، ونجحت الحكومة بالظهور كضرورة لا يمكن الإستغناء عنها لحساب الفوضى ، حيث الفريق التقليدي المعارض لا يملك أجندة للعودة للحكم لا بتسوية ولا بمواجهة ، وهو يعلم حجم الأعباء التي تنتظره إذا تجرأ وخاض معركة العودة ، ويعلم أكثر أن لا خلفية إقليمية ودولية جاهزة لتوفير حضانة للإنقلاب الذي يحلم به بوجه من يقف في خلفية الصورة الحكومة ويعتقد الكثيرون أن مواجهته هدفا مجزيا إقليميا ودوليا ، ليتكشف زمن كورونا عن خطأ هذا التقدير ، حيث لبنان والمعركة الإفتراضية لتحجيم حزب الله تحت عنوان مواجهة الحكومة لم تلق الإستعداد المنشود بالتبني والدعم المطلوبين ، بينما فريق وراثة الإنتفاضة وقد خسر نسبة عالية من الدعم الشعبي لم يعد يملك أوراق قوة للمواجهة ، خصوصا أن الحكومة حازت نسبة من الرضا الشعبي في مواجهتها لكورونا ، وبدأت تظهر إستعدادا للسير بخطوات تهدد بنزع ورقة مكافحة الفساد ومواجهة السياسات المالية لمصرف لبنان والمصارف ، من يد ورثة الإنتفاضة ، الذين لا يملكون لا القوة الكافية ولا المشروعية ، ولا خارطة الطريق ، لخوض مواجهة تنتهي برحيل الحكومة .
  • الجلسات النيابية قدمت مرارا تسييلا لموازين القوى ، فمرات كان الإنعقاد بذاته قضية ، ومرات صار النصاب قضية ، وجاءت جلسة الأمس ، لتقول أن ورثة الإنتفاضة لم تعد لديهم القوة والمشروعية لتعطيل الإنعقاد ، وأن الحلف التقليدي المعارض لا يملك الخطة ولا القدرة ولا المشروعية لتعطيل النصاب ، وظهرت قواعد الإتشباك الجديدة قابلة للتبلور ، وقد إلتقطها بذكائه المعهود نبيه السياسة اللبنانية ، رئيس مجلس النواب نبيه بري ، فقطع الطريق على سجالات "الأوراق الواردة " والكلمات الإفتتاحية للنواب ، ليقينه أن أحدا بن يقاتل لأجلها وقد صار السجال عبئا على الجميع ، ودارت دورة الجلسة لتظهر عملا تشريعيا ، دورت زواياه بما يمنح الجميع فرص رابح رابح ، أو خاسر خاسر ، ما يمنع التصادم التفجيري للمعادلات القائمة والمساكنة الإلزامية التي تبدو طويلة ، وكانت مواكب السيارات المنتمية لزمن الإنتفاضة نوعا من الضرورة التذكيرية التي تحتاجها  قواعد الإشتباك الجديدة ، بإنتظار ما سيفرزه زمن كورونا من متغيرات ، لا تبدو محلية فقط ، بل دولية وإقليمية .
  • الواضح من جلسة الأمس ، ان لا صدقية لكل الكلام عن مواجهات حاسمة آتية في الطريق ، وأن لا مكان لأوامر عمليات آتية من خارج مربك ومنهك ويلملم آثار أزماته المتفاقمة ، وأن المرحلة تتيح الربح بالنقاط الناعمة ، وما يقرر رصيدها هو أداء الحكومة و حسن أداء مكوناتها ، وأن الربح بالضربة القاضية لا مكان له في هذه المرحلة ، ربما حتى الانتخابات النيابية المقبلة .

2020-04-22 | عدد القراءات 16163