كلام دياب وكلام الحريري في الميزان نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
مقاربة كلام رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب على الطريقة التي قام بها الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري ، فيها الكثير من التحامل ومجافاة الحقيقة ، فلو كان موقف الرئيس دياب تحميل حاكم المصرف المركزي رياض سلامة تبعات كل أسباب الأزمة المالية التي تشارك في صنعها ، من توالوا على الحكم وأصحاب المصارف ومعهم مصرف لبنان ، لتم طرح تعيين بديل للحاكم بعد إعفائه من منصبه إستنادا إلى مواد قانون النقد والتسليف التي تجعل الإخلال بالواجبات المهنية سببا كافيا للإعفاء ، ويعرف الرئيس الحريري وكل الذين يتحدثون اليوم عن حاكم المصرف ، تحت شعار ليس وحده مسؤولا ، أن ما قاله رئيس الحكومة أن حاكم المصرف يعرف ما يجب أن يعرفه اللبنانيون ، ودعاه لكشف ما يعرف امام اللبنانيين ، فهل هذا ما يخشاه الخائفون من إستجابة سلامة أكثر من خوفهم من كلام دياب ؟
في أزمة كالتي تحدث عنها الحريري ووصف أبعادها ، الكلمة الفصل للمعلومات والأرقام ، لنعرف أين نحن ولنعرف توزيع أحمال المسوؤلية ، ولنضع خطة إنقاذ حقيقية يعرف الرئيس الحريري أنها نحتاج إلى معلومات حقيقية ، موجودة لدى حاكم مصرف لبنان ، وفي المعلومات التي تحدث عنها الرئيس دياب ، عينة تحليلية ذات قيمة تشبه مؤشرات الفحوصات العشوائية في مواجهة وباء كورونا ، هي الأموال التي تم تهريبها خلال عام مضى ، فمنذ مطلع العام الماضي عندما بدأت مؤشرات التدهور المالي تتجمع لدى العارفين ، وحاكم المصرف في طليعتهم وكذلك أصحاب المصارف وكبار النافذين في الدولة ، وحتى تاريخه ، خرج من لبنان أكثر من 20 مليار دولار لأسباب غير تجارية وغير إستهلاكية ، بل تهريبا علنيا لأموال ، تفاديا للمشاركة في دفع فواتير الإنيهار ، الذي ترك اللبنانيون يدفعون فواتيره ومنعوا من تحويل أبسط المبالغ لأولادهم ، بقرارات من أصحاب المصارف ومدرائها ، وتحت عين حاكم المصرف المركزي ، فهل يشكل كشف حقيقة ما جرى على هذا الصعيد جريمة بحق الديمقراطية وإنقلابا على النظام ، وهل يمكن وصفه بالإنتقامية والكيدية ، أم هو عين الممارسة المسؤولة في الأنظمة الديمقراطية ؟
ما قاله الرئيس دياب معاكس تماما للتهم التي ساقها ضده الرئيس الحريري ، فهو خاطب الغاضبين والمطالبين بإجراءات ثورية ، بأن يهدأوا لأن الحكومة ليست محكمة ثورية ، لكنها ستعمل ليحاسب القضاء وحده ، المرتكبين وتحت سقف القانون فقط ، وهو هنا ترك لحاكم المصرف ولأصحاب المصارف وللذين تحوم حولهم شبهات التحويلات الإجرامية ، طريق العودة بالإشارة إلى نية إقرار مشروع قانون يطلب إلى الذين حولوا أموالهم منذ تشرين الماضي ، بإعادة هذه الأموال المهربة ، تحت طائلة الملاحقة الجزائية ، أي أن الملاحقة القانونية لن تتم إلا في حال التخلف عن إعادة هذه الأموال ، آملا أن يتم ذلك قبل صدور قانون ، فهل ثمة روح تسووية أكثر من فتح الباب لغض النظر عن التهريب كعمل جرمي بإعادة المال المهرب ، أما عن ارتفاع سعر الصرف بصورة جنونية فيعرف الرئيس الحريري كمصرفي سابق ، أن تجفيف سوق الصرف من الدولارات كاف ليتكفل بما يجري وأكثر ، والتجفيف ليس ناجما عن عدم تدخل مصرف لبنان في سوق القطع ، بل قبله عن طريق تهريب الأموال ، وبعده عبر تعميم مصرف لبنان بمنع تلقي أصحاب التحويلات الطازجة لأموالهم بالعملة الأجنبية ، ما جعل الطلب على الدولار بلا عرض في السوق كانت تؤمنه هذه الأموال المحولة والمقدرة بمئة مليون دولار شهريا ، فتخفف من سرعة ارتفاع سعر الدولار إن لم تمنع هذا الإرتفاع ، فهل يملك الحاكم تفسيرا لتعميمه الأخير غير المخاطرة بالليرة التي طمأن اللبنانيين أنها بخير؟
حاكم المصرف هو الحلقة الذكية والعارفة ومخزن المعلومات ، في الفريق الذي يتقاسم أركانه المسؤولية عن ضياع ودائع اللبنانيين ، ومساءلته هي الأوجب لتوضيح الحقائق ، والحصول على المعلومات ، وتعاونه يسهل المهمة ويفتح طريق المعالجات ، وتعاون الذين هربوا الأموال يخفف وطأة الأزمة ، ويقطع طريق الخيارات الإنقلابية أو الثورية ، ويحول دون الفوضى ، لكن مع دولار بعشرة آلاف ليرة ، لا يبقى مكان لكلام العاقل حسان دياب ، فإن كان من كلام يقوله الرئيس الحريري فهو للحاكم كي يستجيب لدعوات الرئيس دياب ، ولأصحاب المصارف والذين حولوا أموالهم وهربوها من لبنان ليتجاوبوا مع دعوة الرئيس دياب بإعادتها ، والحقيقة المرة هي أن لبنان في وضع أسوأ وأصعب من أن يتم تخطيه بالأنانيات السياسية والحزبية ، وحتى بالمحاسبة الثورية ، أو برفع وتيرة التحدي ، أو بالإستقطاب الطائفي والحزبي ، وإختراع عدو وهمي لمقاتلته ، والطريق مفتوح لتفاهمات إنقاذية إذا أدرك الجميع أن الإنهيار إذا وقع فإن دوي الإنفجار لن يبقي مكانا لقصور ولا لمصارف ولا لبلد .