لا ينبغي الإستهانة بأهمية المعركة الفكرية والإعلامية الدائرة على إتساع الساحات الثقافية بما فيها تلك التي تدور مستويات متعددة منها على وسائل التواصل الاجتماعي بين ثقافتي المقاومة والتطبيع ، بل يجب إعتبارها التعبير الأبرز عن شكل المواجهة الرئيسية التي ستتقرر بنتيجتها توازنات عميقة في الوعي الشعبي ستقود التوازنات السياسية وتحكمها ، فمعركة الوعي وكي الوعي تبقى الجبهة الرئيسية للإشتباك الوجودي مع كيان الاحتلال
كشفت وسائل إعلام الكيان فرحتها مع ظهور مسلسلات خليجية ترويجية للتطبيع مع كيان الاحتلال وتضمينها ثقافة تنصلية من القضية الفلسطينية وتسويقية للعلاقة بالكيان وبلوغها حد الإساءة للشعب الفلسطيني وتشوية صورة إسهام الفلسطينيين في نهضة دول الخليج ، لكن الفرحة لم تكتمل مع ظهور ما وصفته شبكة بي بي سي البريطانية الإذاعية والتفزيونية بالإعتراضات الواسعة لدى نخب ثقاقية وصحافية وإجتماعية تعكس عدم قبول شعبي لما جاء في مسلسلات كان ابرزها "أم هارون " و" مخرج 7 " اللذان تبثهما قناة أم بي سي السعودية ، ومحاولات تنصل كشفت ضعف القبول منها ما كتبه عبد الرحمن الراشد في جريدة الشرق الأوسط السعودية عن عدم وجود مبرر لطرح قضية التطبيع راهنا للنقاش فهي ليست ناضجة .
الشارع الفلسطيني والصحافة الفلسطينية كانا الميدان الرئيسي لهذا الإشتباك حيث ردات الفعل عنيفة جدا بوجه الأعمال الفنية والثقافية التطبيعية ، ويعيد بعض النشطاء لهذا الرفض الغاضب لأعمال التطبيع إعتذار الفنانة الفلسطينية ربى عصفور عن تسلم جائزة "إسرائيلية " عن دورها في فيلم "إسرائيلي" قدم سيرة الشهيد محمد أبو خضير بطريقة مشوهة ، رغم إعلان الفنانة عن ربط رفضها تسلم الجائزة بتزامنها مع ذكرى إغتصاب فلسطين الذي يحتفل به كيان الاحتلال تحت إسم "يوم الإستقلال" .
على الجبهة المقابلة كان الإحتفال الشعبي عارما وواسع النطاق بمسلسل حارس القدس الذي أنتجته المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني في سورية وأخرجه باسل الخطيب وكتب نصوصه حسن م. يوسف وتبثه القنوات السورية وإنتشر عربيا بصفته أول مشاركة في مسلسلات رمضان لقناة الميادين وحفلت التعليقات على المسلسل في الصحف ووسائل التواصل الإجتماعي بإعتباره الرد العملي على حملة التطبيع ، وقد خصصت البناء صفة كاملة للمسلسل قبل أيام عبر حوارات مع المخرج والمؤلف والفنانين المشاركين وقناة الميادين ، مساهمة في هذه المعركة الثقافية .
المنتدى الرافض للتطبيع الذي قامت الحملة الأهلية لنصرة فلسطين بإقامته أمس وشارك فيه عدد من الشخصيات العربية وتنشر وقائعه البناء هو مساهمة نوعية في هذه المعركة التي يجب ألا تنطفئ جذوتها في رسم الخط الأحمر أمام كل محاولات التطبيع الثقافي بصفتها محاولة مشبوهة لكسر المحرمات كأساس لضرب المناعة الثقافية بوجه قبول كيان الاحتلال لأن هذه المناعة هي بذرة الوعي لتي تؤسس لثقافة المقاومة