ماذا تقول الأحداث الأميركية ؟ وماذا عن المقارنات اللبنانية ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل

ناصر قنديل

  • تدخل الأحداث التي تتفجر عنفا في الشوارع الأميركية وتشمل عددا كبيرا من المدن والولايات طريق التعاظم ، لأسبوع إضافي ، وبمعزل عن حماسة الترحيب بهذه الأحداث أو الدعوات لعدم الإحتفال بها ، فهي لا تبدو مجرد إحتجاج عابر على مقتل الرجل الأسود على أيدي رجال الشرطة ، بمقدار ما شكل الحادث الصادم بطريقته وظروفه ، عنصر التفجير لمخزون غضب كان ينتظر فرصة التحول إلى شريك في المشهد الأميركي ، ومخزون الغضب يتجمع مع الخطاب العنصري للرئيس دونالد ترامب ، وزادته تعاظما بأضعاف مضاعفة الأزامت الاجتماعية الناجمة عن تداعيات وباء كورونا ، وتشرد ملايين العاطلين عن العمل من وظائفهم ، وإنضمامهم إلى طالبي الإعانات ، في ظل تراكم مجموعة أحداث سياسية دولية أصابت الهيبة الأميركية ، خصوصا في الجوار المباشر ، الذي تمثله فنزويلا ، بعدما قدمها ترامب كثمرة ناضجة للقطاف العنصري لنظامه ، وتحولت بعد وصول ناقلات النفط الإيرانية ، إلى عنوان الفشل الأميركي ، فيما لاتبدو الانتخابات الفرصة التي كان نيتظرها الشارع الغاضب على ترامب وإدارته لتغيير ديمقراطي ، في ظل الصورة الباهتة التي يقدمها الحزب الديمقراطي ، والمشاكل التي تحيط بأهلية مرشحه جو بايدن لمواصلة السابق الإنتخابي ، مع ظهور بوادر للتلاعب بالعملية الانتخابية برمتها ، وصولا لفرضيات التأجيل حتى إشعار آخر .
  • الغضب وإنعدام الأمل هما طريق النزول إلى الشارع ، وهما عنصران متوافران بقوة في شارع أميركي ليس محصورا بأصحاب البشرة السوداء ، فضحايا العنصرية التي يضخها خطاب ترامب تتخطاهم لتطال ذوي الأصول اللاتينية ، والمسلمين ، والنساء ، والأزمة الاقتصادية الاجتماعية تمس شرائح كانت تحسب حتى الأمس على الطبقة الوسطى من البيض المتنورين ، وتحرك مجموعات الوسط الليبرالي واليساري الذين أظهرت حملة المرشح بيرني ساندرز أنهم شريحة وازنة في معظم الولايات الأميركية ، وهذا الشارع المتنوع يبدو أنه ينضم تدريجا للحركة الإحتجاجية التي تتسع بصورة ملفتة على مستوى تنوع مكوناتها ، وتعدد ولاياتها ، لتصير أقرب نحو تشكيل شارع وطني أميركي يواجه سلطة حكم ، متوحشة ، إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا وإعلاميا ، يقودها وحش مالي عنصري هو دونالد ترامب ، دون وجود أفق راهن لتسوية في منتصف الطريق ، في ظل أزمة إقتصادية مرشحة للمزيد من التفاقم ، وشح متزايد في الموارد ، مع تراجع عام تعانيه الشخصية الأميركية في العالم ، في ظل فقدان السيطرة على الملفات السياسية الخارجية كحاكم منفرد للعالم ، من جهة ، وتراجع كبير في الصورة العلمية والأخلاقية التي حرص الأميركيون دائما على إظهار تفوق نموذجهم في تمثيلها ، وكان ما شهدته الولايات الأميركية وخصوصا نيويورك ، في مواجهة وباء كورونا ، التعبير الأقوى عن هذا السقوط العلمي والأخلاقي .
  • المخاض الأميركي يبدو مفتوحا ، بلا أفق واضح لخاتمة قريبة ، والحديث هنا ليس عن ثورة ولا عن تغيير نظام بالتأكيد ، هو الغضب الشعبي اليائس من قدرة النظام على إحتواء الأزمات ضمن مؤسسات الديمقراطية ، وهذا يجب أن يدركه الذين يرغبون بإجراء المقارنات مع ما شهده لبنان ، ويحبون بتسميته ثورة ، فما يجري في أميركا يشبه ما جرى في لبنان ، وليس تغيير النظام في كليهما أفقا ممكنا ، ولا صفة الثورة تصح فيه ، لأنها بالضبط بلا قيادة وبلا برنامج ، وما يجري في أميركا يقول للبنانيين الذين يتساءلون عن معنى إحتفال الخصوم السياسيين للإدارة الأميركية بما يجري ، بينما لم يفعلوا ذلك تجاه ما جرى في لبنان ، الجواب بسيط ، هو أنهم لا يرغبون لبلدهم ما يرغبونه لعدوهم ، من فوضى ومخاطر أمنية ، وضياع للأفق السياسي ، أما الذين يقولون لماذا لا يطعن أحد بأهلية ما يجري في أميركا من الذين طعنوا بأهلية ما جرى في لبنان ، فالجواب ببساطة هو أن "لا وجود لسفارة أميركية في أميركا" .

2020-06-01 | عدد القراءات 3588