قانون قيصر : بقايا رصاصة من زمن مضى نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
تنظم الدوائر المرتبطة بواشنطن عربيا ، ومنها فرع لبناني أكيد ، وبرعاية مباشرة من السفارات الأميركية ، حملة عنوانها ، الويل والثبور وعظائم الأمور بإنتظاركم مع بدء سريان مفاعيل قانون قيصر للعقوبات على سورية ، وعلى سورية تهويل اشد بخطرقطع الأوكسجين اللازم للتنفس ، وفي لبنان تهويل يطال بشكل خاص حلفاء المقاومة بأن زمن فرض العقوبات عليهم قد أتى ، وفي العراق حملة عنوانها ، إياكم وكل تعاون إقتصادي مع سورية ، ويبدو لكل مراقب أن مفاعيل القانون الحقيقية هي هذه الحملات ، إذا قمنا بتقصي مسار القانون وموقعه الزماني والمكاني ، وما يمثل في سياق المعادلات التي تحكم العلاقات الدولية والإقليمية .
من المهم جدا تتبع المسار الزماني لسياق القانون ، وظروف ولادته وربطها بالمواجهة التي كانت تدور حينها في المنطقة والعالم ، وهنا يظهر أن مشروع القانون تم تقديمه من مجموعة من أعضاء الكونغرس في تموز 2016 ، أي في ذروة معركة حلب ، وهذا واضح في نصوصه ، لجهة ما وصفه النص ب"المشاركة بقتل المدنيين" و"تعقيد وصول المساعدات الإنسانية" ، في إشارات واضحة للظروف المكانية التي إستهدفها أصحاب القانون ، للتأثير على مواقف حلفاء سورية المنخرطين في المعركة ، وفي طليعتهم إيران وحزب الله ، ولكن وبصورة خاصة روسيا التي كانت تدرس خيارات تتصل بالمشاركة في المعركة أو تثبيت الهدنة بالتعاون مع تركيا ، وسيجد من يدرس بالتفصيل نصوص المشروع أن له هدف رئيسي هو الضغط داخل روسيا لترجيح كفة الإبتعاد عن الإنخراط في معركة تحرير حلب ، ومن يعود لتلك الأيام ويستذكر تفاصيلها ، سيكتشف حجم الكثافة في الضخ الدبلوماسي الذي تمثل بجلسات يومية لمجلس الأمن الدولي ، وإتهامات أميركية وأوروبية لروسيا بالمشاركة في إرتكاب جرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية ، كما سيكتشف من مشاريع المبعوث الأممي آنذاك ستيفان دي ميستورا ، طبيعة الخطة الأميركية ، التي كان ينقصها تراجع روسيا عن الإنخراط في معركة تحرير حلب ، التي غيرت وجه الحرب في سورية ، ومحور الخطة تفتيت سورية إلى كانتونات ، إنطلاقا من حلب تحت شعار سلطة ذاتية تتولاها جماعات جبهة النصرة في أحياء حلب ، برعاية تركية .
أن ينام القانون كمشروع ثلاث سنوات في أدراج الكونغرس ويتم إقراره ، في شهر كانون الأول عام 2019 ، ليس أمرا عاديا ولا يجوز أن يمر على القارئ مرور الكرام ، والسنوات الثلاث هي السنوات التي حفلت بالإنتصارات المتدحرجة للجيش السوري ، وصولا لوضع الخيارات مع معركة إدلب بين الحسم العسكري ، والتسوية السياسية ، مع التسليم بأن في التسوية مسلمات أولها التسليم بإنتصار الدولة السورية ورئيسها وجيشها ، لكن بالمقابل السعي لتكبير حجم حصة واشنطن وحلفائها من كعكة السلطة التي ستنشأ عن إعلان نهاية الحرب ، وواشنطن عبر القانون الذي أقره الكونغرس ووقعه الرئيس دونالد ترامب ، تضع ورقتها التفاوضية على الطاولة ، وهو أمر واضح في نصوص القانون ، حيث يتم تعليق أحكام القانون والعقوبات بقرار من الرئيس بحال ظهور مؤشرات على الحل السياسي ، كمثل " في حالة إن كان من المرجح أن تنتهي المباحثات بالتوصل لاتفاق " ، كما أنه ليس من باب المصادفة أن ينص مشروع القانون على تحديد موعدا لنهاية العمل به ، مع فرضية التجديد طبعا ، في نهاية عام 2021 ، الذي سيشهد الانتخابات الرئاسية في سورية قبل نهاية العمل بالقانون .
منذ إقرار القانون في الكونغرس وتوقيعه من الرئيس ترامب ، دخل الأميركيون في مفاوضات مع روسيا ، التي لاتزال المستهدف الرئيسي بالقانون ، كراع للعملية السياسية مسلم به من الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية والأمم المتحدة ، ووضعوا القانون على الطاولة للتأثير على مسار التفاوض ، ولعله من المثير للإستغراب والدهشة ان يتناول البعض قرار الرئيس الروسي بتفويض وزارتي الدفاع والخارجية حول توسيع حجم الوجود الروسي في سورية ، في سياق محاولاتهم للنيل من السيادة السورية ، بينما هو الرد الروسي التفاوضي على التلويح الأميركي بإقتراب موعد تطبيق القانون ، كإعلان عن إدارة الظهر للمخاطر التي يلوح بها الأميركيون عبرالعقوبات ، التي يستخلص أي عاقل أنها موجهة بصورة رئيسية نحو روسيا بإعتبار إيران وحزب الله ملاحقين بنظام عقوبات أشد شمولا وقسوة ، والعنوان الذي يتخذه القانون مدخلا للعقوبات الجديدة ، بحق كيانات وأفراد يتصل بإتهامات حربية تطال المدنيين ، لها عنوان واحد هو روسيا .
منذ توقيع القانون من الرئيس ترامب نهاية العام الماضي تغيرت اميركا ، وتغير العالم ، وصار القانون رصاصة طائشة من زمن مضى تبحث عن هدف ، بل بقايا شظايا تائهة يتم التلويح بها كي لا تذهب هدرا فتصير موضوع حرب نفسية تتخطى نصوص القانون ومراميه وسياق ولادته ، فقد تكفل وباء كورونا بخلق أميركا جديدة وعالم جديد ، وتكفلت حروب الشوارع الأميركية بخلق أولويات جديدة ، وأظهرت حرب الناقلات الإيرانية نحو فنزويلا حجم جهوزية أميركا الجديدة للمواجهة ، كما تظهر تصريحات ومواقف الرئيس ترامب ، عبر السعي لتفاهم سعودي روسي في قطاع النفط ، والدعوة لمفاوضات ثلاثية روسية أميركية صينية حول الحد من التسلح ، النية بتخفيف التوتر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، وليس السعي لتصعيدها .
لبنانيا ، رغم كل التهويل ، لا تحتاج واشنطن كي تفرض عقوبات على حلفاء المقاومة بالإستدارة نحو قانون يخص سورية ، فالتيار الوطني الحر المستهدف الرئيسي بحملة التهويل والحرب النفسية ، تربطه بحزب الله وثيقة تفاهم علنية ، لا يربطه مثلها بسورية ، والأقرب للعقل أن واشنطن ليست بحاجة لهذا العذر الباهت ، إذا ارادت إخضاع التيار وقيادته لنظام العقوبات ، وبيدها أن تقول بلسان وزارة خارجيتها ، أنها تمهل كل الكيانات السياسية اللبنانية التي تؤيد حزب الله وتتحالف معه ثلاثة شهور لإعلان موقف واضح يتبرأ من هذه العلاقة تحت طائلة شمولها بالعقوبات ، وتكليف السفيرة الميركية في بيروت بإعداد تقرير نهائي للخارجية في نهاية المهلة .
هي حرب نفسية ، يسقط فيها الضعفاء ، بينما واشنطن ترسل تحت الطاولة العراقية التطمينات ، لأنها تخشى من أخذ الأمر جديا نحو التصعيد الذي أظهرت ناقلات الكاريبي أنها لا تريده ، لأن حربا حقيقية قد تنشب شمال شرق سورية تحت عنوان مقاومة الاحتلال الأميركي ، الذي قام الأميركيون قبل أيام بالبدء بالبحث سبل تسليمه تدريجيا للروس ، والروس هم المستهدف الرئيسي بالقانون ، لدورهم في سورية ، وحرب أخرى قد تبدا جنوب سورية وجنوب لبنان ، إذا بلغ العبث بالتوازنات والمعادلات حدا يصيب المحرمات .