مخاطرة اللامركزية كتب ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل

  • توجد في مجلس النواب العديد من اقتراحات القوانين التي تدعو لإقرار اللامركزية بصفتها بندا من بنود وثيقة الوفاق الوطني ، وينطلق النقاش من نقطتي إتفاق مفترضتين عند المؤيدين والمخالفين ، الأولى تفادي الوقوع في مخاطر تهديد وحدة الدولة والمجتمع تأكيدا للنص الدستوري ونص إتفاق الطائف برفض كل أشكال التجزية والتقسيم ، والثانية ، أن اللامركزية إطار قانوني تنموي وديمقراطي عصري ومتفق عليه كواحد من عناوين وثيقة الوفاق الوطني .
  • النقاش يدور حول السياق الذي ينتج توقيت الذهاب إلى اللامركزية ، خصوصا في  مناخات الإستنفار للعصبيات الطائفية ، والحاجة لضمان الحصول على العائدات الإيجابية لتطبيق اللامركزية دون الوقوع في مخاطر منح المشاريع التفتيتية كيانات وأطر تنمو ضمنها ، فهل يكفي مجرد الإنتباه لتقسيم الأقاليم الإدارية ومراعاتها لمعايير التعدد الطائفي لتحقيق عناصر الأمان ؟
  • تقدم صيغة المحافظات الخمس والأقضية الحالية النموذج الأمثل للإختلاط الطائفي الممكن ، وتطبيق فرضية اللامركزية عليها كمثال ، ستظهر بسهولة أن المجالس المنتخبة ستكون في الأقضية والمحافظات ذات غلبة طائفية وحزبية ، وأن الموارد والصلاحيات التي ستوضع بيد هذه المجالس لن تكون لحساب مشاريع التنمية وتعزيز الروح المدنية ، بل ستكون أدوات لتعزيز هيمنة من لون طائفي وحزبي في كل منها ، وبالتالي تعميق الإنقسام وروح الكانتونات التي يلجمها اليوم نسبيا وجود سلطة مركزية موحدة ، و رغم ذلك فقد شهدنا بحجم ما توفره بعض إتحادات البلديات في بعض المناطق أنواعا من التسلط التي تستعيد مناخات الحرب الأهلية ، فكيف إذا شرعنت سلطات محلية على مستوى أوسع وبموارد وصلاحيات أكثر ،يبدو عندها أن  الحرب الأهلية البادرة التي يمثلها النظام الطائفي ستجد فرصة القوننة للتمييز الطائفي والحزبي باسم الديمقراطية  ، وسينتج عن التمييز الطائفي والحزبي الذي سيقع بحق الأقليات الطائفية والحزبية بكل من هذه الدوائر  تأجيج مشاعر الكراهية والتعصب ، وربما ينتج حالات تهجير وهجرة وفرز سكاني يعزز مسارات تقسيمية تعاكس ما أراده الطائف من التأكيد على تبني اللامركزية مع الرفض الكامل لكل شكل من اشكال التجزئة والتقسيم .
  • الخلاصة الأكيدة هي أن السير باللامركزية يعني فتح الباب لمخاطرة تقسيمية ما لم يأتي في مناخ لاطائفي ، يعقب الإنتقال من النظام الطائفي ، ونشوء مناخ وطني جامع يحاصر مناخات التعصب ودعاة التجزئة ، ويحول اللامركزية إلى صيغة قانونية للتنمية وتطوير الخدمات والإقتصاد ، لا وصفة للتقسيم والفرز والتمييز وربما الفتن المتنقلة .

2020-06-03 | عدد القراءات 3150