6-6-1982 الى 6-6-2020 ما الذي تغير ؟ نقاط على الحروف
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
في مثل هذه الأيام من العام 1982 ، كان الزلزال في بداياته مع بدء إجتياح جيش الاحتلال للبنان ، وبعد شهور من المواجهة كان لبنان خاضعا للإحتلال حتى عاصمته وقصره الرئاسي في بعبدا ، وبالمقابل كانت أقلية لبنانية عابرة للطوائف تؤمن بالمقاومة ، وكانت أقلية ضئيلة جدا لكنها مؤمنة جدا وواثقة جدا بحتمية نصرها القادم ، وكان سائر اللبنانيين بين المنتظر لمعجزة ، والمراهن على الأمم المتحدة والضغوط الدولية ، والمتقبل لفكرة "تنازلات لابد منها" عن السيادة في إتفاق تفاوضي يخرج الاحتلال ، وصولا لفريق يرحب بالإحتلال ويتماهى معه ويراه وسيلة مناسبة وتاريخية لتحقيق ما إستعصى عليه تحقيقه بالإستناد على حجمه اللبناني الصرف ، وخلافا لأكذوبة الإجماع الوطني حول المقاومة التي يروج لها منذ التحرير قبل عشرين عاما ، شقت المقاومة طريقها عكس الإجماع الوطني ، بقوة الإنجازات المحققة بتضحيات مقاومين أشداء ، مقابل سقوط كل الرهانات المقابلة وعجزها عن تحقيق إسترداد أي شبر من الأرض والإرادة المحتلتين ، وخلال تراكم إستمر لقرابة عشرين عاما ، من الإنجازات التي كانت تحققها المقاومة والخيبات التي تصيب الرهانات المعاكسة ، أنجزت المقاومة في ظل إنقسام عميق وكبير حول صواب خياراتها ، وحول صدقية ووطنية خياراتها ، الإنجاز التاريخي الأكبر في تاريخ لبنان ، بتحرير الأرض دون تفاوض ودون شرط .
لم ينتقص من وطنية المقاومة والمقاومين ، إعتقال وتعذيب تعرض له المقاومون في أقبية مؤسسات الدولة التي يدافعون عن سيادتها ، بمثل ما كانوا يتعرضون له على أيدي جنود ومخابرات الاحتلال ، وميليشيات عابرة للطوائف تعترض طريقهم وهم ذاهبون للإستشهاد دفاعا عن لبنان ، وطن اللبنانيين جميعا ، ولا فت في عضد المقاومين ما كانوا يسمعونه يوميا من إتهامات يومية توجه لهم حول خدمتهم ، هم ، لا من يفاوض الإحتلال أو يقيم معه المساومات والصفقات ، لأجندات غير وطنية ، وعندما إنتصر خيارهم ، لم يطلبوا إعتذارا ممن أساؤوا ، ولا اقاموا المحاكم العرفية في الساحات لمن تعاملوا ، بل غابوا عن المشهد بتواضع الأبطال ، وهم يرون بأم العين مشاهد المزايدات ومحاولات إحتلال خندقهم ممن كانوا حتى الأمس يتربصون بهم ، يتحدثون عن بطولات إسقاط إتفاق 17 أيار ، أو عن الوحدة الوطنية "الرائعة" التي يعود لها الفضل في التحرير، والتي لولاها لبقي لبنان تحت الاحتلال ، وهم يعلمون أن ألف خطاب ما كان ليسقط إتفاق 17 أيار لولا نزيف الدم الذي فرضته المقاومة على المحتل ، وأنهم لو صدقوا نظرية أن الوحدة الوطنية شرط لإخراج المحتل ، لبقي الاحتلال ألف عام .
بعد أربعة عقود تقريبا ، صارت المقاومة اقوى ، وصار تيارها الشعبي أكبر ، وصار التسليم من العدو والصديق بأنها الرقم الأصعب في معادلات المنطقة ، لكن الإنقسام لا يزال هو الإنقسام ، رغم تغير معادلاته ، ونسب التموضع على ضفافه ، ودرجة فعالية أطرافه ، فخرجت شرائح شعبية وسياسية كبيرة من أوهام الرهان على الاحتلال ، أو الإستهوان بقدرات الشعب ومقاومته ، أو الحديث عن نظرية قوة لبنان في ضعفه ، وإنضمت شرائح سياسية وشعبية واسعة لدعم خيار المقاومة ، وبقي بعض المراهنين يحملون خيباتهم المتراكمة ويحاولون صناعة خيار منها ، يقدمون عبره كما في كل مرحلة ، أوراق إعتماد للأجنبي ، أملا بأن يركبوا يوما على دبابته لدخول المقر الرئاسي ، وهذا هو الحال منذ زمن الإنتداب حتى الإجتياح ، وصولا لليوم ، ورغم الطابع الإنتحاري للرهان على الأميركي المنشغل بأزماته ، وكيان الاحتلال المعترف بمأزق وجوده ، وحكومات الخليج التي تتفقد شح خزائنها ، يصر هذا البعض على سرقة جوع الناس ووجعهم ليلبس ثوب الثوار زورا ، فقط لتذكيرنا بمشاهد كان اللبنانيون يحاولون نسيانها لما كانوا عليه في مثل هذا اليوم ، يوم إجتاح العدو أرض لبنان ، وكانوا يرتبون الدار لإستقبال الغزاة ، أملا برئاسة ، وبدلا من تلاوة فعل الندامة ، والتقدم بطلب الصفح من اللبنانيين ، يحولون بإستبدال الأقنعة ، ذات اليوم المشؤوم إلى مناسبة للدعوة لنزع سلاح المقاومة ، دعوة لن تقدم ولن تؤخر في موازين السلاح ولا حجم الإلتفاف الشعبي حوله ، خارج أكذوبة الإجماع الوطني حول المقاومة ، فيستحقون الشفقة لأنهم دائما يأتون كطلقة متأخرة ، من مسدس خرب بأيد راجفة ، يصيبون بها أقدامهم ، تحدث دويا لكنها لاتترك أي اثر إلا حيث وقع نزيفهم هم ، يجرجرون قدمهم المصابة ، ليستحقوا كلمة يسوع المسيح ، " دع الموتى يدفنون موتاهم " .