المعاني السياسية ل6-6 ...البداية والنهاية نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
كانت أول أمس آخر محاولات تعديل التوازن السياسي بقوة تأثير نتائج ما جرى في 17 تشرين الماضي ، بعدما بقيت الحركة التي قادها الوزير السابق شربل نحاس لتأطير زخم الحراك في إطار سياسي لحكومة إنتقالية ، في إطار دعوة نخبوية وإنقسام الحراك بين إتجاه يطالب بعودة الرئيس سعد الحريري مركزه حراك الشمال ، وإتجاه عام يدعو لمنح الفرصة لحكومة الرئيس حسان دياب ، وكانت حركة أطراف اليسار في الحراك التي فشلت في توحيد صفوفها بين حراك صيدا بقيادة النائب أسامة سعد وكل من الحزب الشيوعي وحركة الشعب ، ومجموعات شبابية في الحراك كشباب المصرف وسواهم ، هي الأخرى تسلم بمنح الفرصة لحكومة دياب ، لكن بلا سقف سياسي قابل للترجمة في المعادلات الحكومية ، حيث الانتخابات المبكرة عادت لتشكل موضوع إنقسام داخل مجموعات الحراك نفسها بعدما كانت موضوع إجماع في النداءات الأولى ل 17 تشرين .
في ظل هذا الستاتيكو ، كان رهان قوى الرابع عشر من آذار ممثلة بثنائي الرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط ، وبتموضع ملتبس لرئيس حزب القوات سمير جعجع ، على مراكمة الرصيد لإستعادة زمام المبادرة من حكومة دياب مع نهاية المئة يوم من عمرها ، لولا أن تفاجأت بثلاثة متغيرات ، الأول ما منحته أزمة كورونا للحكومة من رصيد ، وما فرضته الفرصة التي فتحها حزب الله لمفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي من إرتباك في الخطاب أصاب كل معارضي الحكومة المنادين بالصندوق ، ومن جهة ثالثة تراجع الاهتمام الخارجي ، في ظل أولويات داخلية لكل اللاعبين الكبار في العالم والمنطقة ، و في هذا المناخ دخل على الخط ظهور حركة يقودها رجل الأعمال بهاء الحريري لمزاجمة شقيقه سعد على زعامة شارعه ، فزاد الإرباك إرباكا .
لا يمكن علميا قبول تصنيف حركة 6-6 بصفتها مشروع حرب أميركية على المقاومة ، فالرعاية الأميركية للجماعات التي تطرح شعارا لها تطبيق القرار 1559 ونزع سلاح المقاومة ، تحصيل حاصل ، لكن الحديث عن خطة أميركية يشكل تحرك 6-6 قلبها ، لا يعبر عن حقيقة القراءة الأميركية للموازين ، ولا عن حجم الإنهماك الأميركي بترتيبات تتصل بتوازنات ومعادلات جديدة في المنطقة عنوانها ، البحث عن التهدئة ، والرهان على فتح الباب لتفاهمات ، رغم صخب الطلقة التائهة بقوة مرور الزمن لقانون العقوبات الجديد على سورية ، والكلام العالي السقوف للدبلوماسيين الأميركيين ، الذين يخشون إنتباه قوى المقاومة لإرتباك المشهد الأميركي ، وإستغلالها لملء الفراغ بخطوات عملية ، فيملؤنه هم بتصريحات تصعيدية ، ولم لا تكون حركة 6-6 ضمن هذا السياق ، ملء الفراغ بما يوحي بنوايا الهجوم ، وإرباك القراءة الواقعية للموازين والسياسات ، طالما أن هناك قوى محلية تعمي قلوبها عن قراءة الواقع نرجسية مفرطة وعبودية فكرية عميقة للقدرة الأميركية وسذاجة سياسية تقارب حد البلاهة ؟
رست بورصة المشاركين في حركة 6-6 على حزب الكتائب ، قبلالتراجع الخجول، وتيار بهاء الحريري ، وحزب سبعة ، ومجموعات مشابهة من الحراك ، ومشروع الحركة هو إختبار فرصة تشكيل شارع مواز لشارع داعم للمقاومة ، يسرق القيادة من يد قوى الرابع عشر من آذار ، ويراهن على سحب الإعتماد الأميركي والخليجي منها ، وقد وفر الأميركيون والخليجيون غطاء إعلاميا كافيا للإختبار ، فيما وقفت القوات اللبنانية في منتصف الطريق بين فريقي 6 حزيران و14 آذار ، تراقب المشهد دون تورط ، وفي الحصيلة كانت النتيجة خيبة كبيرة ، بشارع شديد الضآلة ، لا يليق حجمه بأي حزب جدي ، رغم أن نصف الحضور كان من معارضي عنوان الدعوة وجاء ليحمي شعارات 17 تشرين من السرقة ، فسقطت فرص بهاء في الحضور قبل أن يحضر ، وأخرجت الكتائب من المنافسة مع القوات بالضربة القاضية للذكاء السياسي ، وأعيد الإعتبار لمجموعات اليسار في الحراك على حساب وهم الإنتفاخ لتشكيلات حزب 7 ورفاقه في 6-6 ، فلا خط أحمر يحمي جماعة الخط الأحمر ، ولا قوة شعبية تمنح التفويض بدور ، وفي الحصيلة أعادت قوى 14 آذار تأكيد مرجعيتها الموازية لقوى 8 آذار ، وإنتهت الحقبة السياسية ل17 تشرين كولادة لخيارات جديدة .
الطريقة التي إنتهى بها الإختبار كانت ذات مغزى تأكيدي ، فال"ميني فتنة" شرط تأشيري على العودة لثنائية قوى 14 و8 آذار ، وموقع قياداتها في منع توسيع الدائرة نحو الفتنة ، و تثبيت أهليتها في ضبط الشارع ، ودعوة فورية لجماعة 6-6 للتقاعد المبكر لعجزهم عن الفوز في مباراة البداية ، وإفتقادهم لقدرة إطلاق صفارة النهاية ، ومن فولكور الضرورة أن يعقب الخاتمة تنويع كلامي لتوزيع هلامي لجوائز تحفيزية وإحتفالية عنوانها حديث بلا أساس ولا أفق عن فرص حكومة جديدة ، من باب التفكه بالشيئ لا الفقه به ، ولكن كونها فاكهة غير ناضجة ، لا يمنع بقاءها معروضة للتداول ، فربما يأتي زمن النضوج ضمن التسويات الإقليمية والدولية القادمة ، ولو ببطء قدوم الخريف .