حافظ الأسد رجل دولة الإستقلال
- في مثل هذه الأيام رحل قائد نادر قال فيه أعداؤه وأصدقاؤه كلاما نادر القول في رجل ، هو الرئيس حافظ الأسد الذي تعددت الصفات التي أطلقت عليه لثقافته وفكره وشجاعته وحكمته وحنكته ، لكن صفة لاتقل أهمية وربما نكون الأحوج للإضاءة عليها ، هي كونه نموذج لرجل دولة الإستقلال .
- في عام 79 عندما إنتصرت الثورة الإسلامية في إيران كان الرئيس حافظ الأسد من أوائل القادة الذين سارعوا لتوطيد أواصر العلاقة بقادتها ، بعد زمن من التعرف عليهم وعلى مواقفهم وتقديم الدعم لهم يوم كانوا قادة ثورة في المنفى ، وفي الوقت نفسه كانت إيران المنتصرة تتمسك بموقفها البعيد عن محوري الصراع الدولي الممثلين بواشنطن وموسكو ، بينما كانت سورية في أعلى مراتب التحالف مع موسكو ، وجاءت حرب أفغانستان لتضع إيران وسورية كل على ضفة ، لعشر سنوات ، كان خلالها في حلف وطيد تدعم خلاله سورية إيران بوجه الحرب التي شنها العراق عليها .
- في العام 90 عندما غزا العراق الكويت ، كان موقف الرئيس حافظ الأسد بتأييد حرب تحرير الكويت ، مفاجئا للكثيرين ، خصوصا ان مشاركة سورية جاءت إلى جانب القوات الأميركية ، لدرجة صعوبة تصديق البعض أن سورية سترسل قواتها لتشارك في هذه الحرب .
- كان موقف الرئيس الأسد في الموقفين نابعا من تمسكه بمبدأ حاكم هو ، دولة الإستقلال والسيادة ، متفهما خصوصية إيرانية نابعة من قرار مستقل تقابل خصوصية إيرانية نابعة من قرار مستقل ، في الأولى ، مدافعا بممارسة حق سيادي عن حق سيادي آخر يجري إنتهاكه في الثانية .
- تظهر المذكرات المنشورة لكبار صناع السياسة في واشنطن ، ولعل أهمها ما كتبه هنري كيسنجر في هذا المجال ، مزيدا من الوقائع حول حجم القرارات المستقلة للرئيس حافظ الأسد ، فتكشف كيف كان صاحب قرار الحرب في عام 1973 ، وكيف كان صاحب قرار الدخول العسكري لقواته إلى لبنان ، وكيف أنه في المرتين ، لم يدخل ولم يسمح بدخول أي جهة دولية على القرار .
- في نهاية العام 89 وبعد إنهيار جدار برلين وإنهيار حكم الرئيس الروماني نيقولاي تشاوشيسكو ، كان لرجل الدين اللبناني رئيس المجلس الإسلامي الشيعي اليوم الشيخ عبد الأمير قبلان موعدا للقاء الرئيس حافظ الأسد ، وصادف ان التيقنا بعد الموعد في دارة رئيس مجلس النواب نبيه بري في دمشق ، حيث بادر بري لسؤاله عن اللقاء ، والشيخ قبلان معروف بشجاعته العفوية المباشرة ، فقال قبلان لقد طمأنني لمستقبل المنطقة وسورية ، فسأله بري مستفهما حول ماذا ، فقال قبلان ، لقد بادرته بالحديث عن خوفي على مستقبل سورية وإستقرارها مع إنهيارات المنظومة الإشتراكية ، وقلت أنا خائف عليك فرفاقك يرحلون الواحد تلو الآخر ، ووسط إستغراب الجميع لما قاله قبلان من كلام يصعب لغيره أن يقوله للرئيس الأسد ، جاء الإستغراب الأكبر لما رواه قبلان عن جواب الرئيس ، الذي إستفاض وفقا لقبلان في شرح مفهوم دولة الإستقلال ، قائلا لقبلان نحن لسنا سوفياتيين ، وإلا كيف وقفنا مع إيران ، وفي المسألتين الأساسيتين في الطريقة السوفياتية ، نظامنا مختلف ، في الموقف من الدين ومن الملكية الخاصة والقطاع الخاص ، وفي المسالة الفلسطينية لنا نظرتنا التي لا تنضبط بالنظرة السوفياتية ، فسورية إتخذت لنفسها طريقة سورية في السياسة والإقتصاد والفكر ، ولذلك تسقط الدولة في سورية عندما تفقد ثقة السوريين ، بأنها دولتهم التي تحفظ هويتهم كما يعيشونها ويشعرون بها ، وتصون وحدتهم وكرامة العيش الكريم لهم ، و تسهر على أمنهم وتعليم أولادهم وطبابتهم وتؤمن لهم السكن اللائق ، وتحمي حدودهم بجيش قوي ، وتحفظ لهم مكانة يباهون بها الصديق والعدو ، وهذا ما نحرص على أن يكون نصب أعيننا ولا نجامل أحدا في السعي إليه ، ولذلك كن مطمئنا أننا بخير وسنبقى بخير ، لأننا لن نتغير عن هذا ، ومثلما لم تكن سورية سوفياتية بل حليفة للاتحاد السوفياتي ، ستبقى حليفة لروسيا ، وهي لن تكون أميركية .
- هذه هي سورية التي إنتصرت على حرب المئة دولة والمئة مليار دولار والمئة جهاز مخابرات والمئة قناة فضائية والمئة فتوى ، هي اليوم سورية التي يقودها الرئيس بشار الأسد ، بذات روح دولة الإستقلال الوطني ، ولهذا لا خوف عليها من العاتيات ، في السياسة والأمن والإقتصاد .
2020-06-12 | عدد القراءات 17504