وقف الإستيراد دون إجازة حكومية لسنة نقاط على الحروف ناصر قنديل
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
لن تتوقف محاولات الإستثمار السياسي الخبيثة للأزمة الاقتصادية والمالية بالتحريض ، على الحكومة ، والعهد ، وليس فقط على المقاومة وسلاحها مرة ، وعلى العلاقة بسورية مرات ، وكلما إستمرت المفاعيل المتفجرة للأزمة بوقعها على الناس دون معالجة ، سيكون لهذه المحاولات فرص التلاعب بتفكير ومشاعر شرائح من الناس الذين تفقدهم الأزمة توازنهم ، وتجعلهم تحت تأثير أي نوع من التفسيرات التي تنتهي بالدعوة للإنضباط في السياسات والمشاريع الأميركية ، كطريق وحيد لوهم الخلاص الذي تحدث عنه جيفري فيلتمان بوصفه الإزدهار الموعود .
بالمقابل لا يمكن لمواجهة الأزمة غير العادية أن تعتمد الطرق التقليدية ، وطالما أن الحكومة تنتظر نتائج مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي لتعتمد السياسات النهائية ، في مواجهة الأزمة ، وطالما أن المدة المتوقعة لهذه المفاوضات وتبلورها بسياسات ، هي سنة تقريبا ، وطالما أن الوجه الأبرز للأزمة هو سعر الصرف ، وهو منصة صالحة للعبث والضغوط الهادفة لفرض السياسات ، فإن تثبيت سعر الصرف يشكل العنوان الأبرز لكل مواجهة جدية ومجدية ، فهل هذا ممكن ؟
يتولى مصرف لبنان تأمين العملات الصعبة اللازمة لشراء المشتقات النفطية والقمح بسعر صرف مدعوم ، ولديه مخزون يكفي للقيام بذلك يأسعار التجار لسنتين وأكثر ، فلماذا لا يتم تأمينها عبر إتفاقيات صادقة من دولة لدولة ، توفر في كلفتها وتضمن مواصفاتها وربما تتضمن تيسيرا في سبل السداد ، وتصير المدة المضمونة خمس سنوات بدلا من سنتين ، كما يتولى مصرف لبنان تأمين إعتمادات لشراء الأدوية والمعدات الطبية ولوازم الصناعة وموادها الأولية ، ووفقا لصيغة المنصة المستحدثة بين مصرف لبنان والمصارف والصرافين سيتم تأمين الدولارات اللازمة لإستيراد المواد الإستهلاكية الأساسية ، بسعر 3200 ليرة ، ووفقا لحساب بسيط من المعلوم أن مبالغ كبيرة يتم ضخها في سوق الصرف بين تحويلات من الخارج ، وما تقوم المقاومة بضخه شهريا ، تقدر بمئة وخمسين مليون دولار ، وهي وفقا لتقديرات الخبراء كافية لتغطية حاجات السوق الإستهلاكية بالمواد الضرورية ، والغذائية منها خصوصا .
يبقى الإستيراد الإضافي سواء لمواد إستهلاكية أو رفاهية ، مصدرا وحيدا للطلب على الدولار ، تتغطى به عمليات المضاربة ، وهو لمواد ينتج مثلها في السوق المحلية ، أو لا تشكل أساسيات ليتم تمويلها بسعر صرف مدعوم ، ومنها الألبسة والأحذية والألبان والأجبان والعصائر والمياه المعدنية ، وكلها يوجد ما يوازيها من الإنتاج المحلي ، بالإضافة للكماليات الكثيرة ، والجواب الطبيعي للذين يتحدثون عن حالة طوارئ مالية وإقتصادية ولايقومون بتوصيفها ، هو هنابإتخاذ إجراءات مؤقتة وصارمة تساهم في تعزيز الصمود ، أي الحفاظ على مخزون العملات الصعبة من جهة ، والحفاظ على سعر الصرف وبالتالي أسعار المواد الإستهلاكية التي تحدد القدرة الشرائية للمواطنين من جهة موازية ، والطريق واضح وهو منع الإستيراد دون إجازة حكومية لمدة سنة ، والمدة هنا تأكيد على أن الإجراء إستثنائي ومؤقت ، ولو تم تمديدها لاحقا، إذا ظهر أنه في ظل هذا الإجراء نمت صناعات وطنية تحتاج لمزيد من الوقت للحماية كي يقوى عودها .
بإستيراد المشتقات النفطية والقمح بإتفاقات دولة لدولة ، وحصر الإستيراد بإجازة ، وتحديده بالضروريات ، يمكن للبنان أن يؤمن حاجات إستهلاكه الأساسية لخمس سنوات وليس لسنتين فقط ، وهي مدة أكثر من كافية للنهوض الإقتصادي ، وبالتوازي سيصير لمكافحة المضاربة بصفتها جريمة تعادل الخيانة ، فرصة حقيقية ، حيث من يقدم على شراء الدولار من السوق بكميات تفوق حاجات شخصية معلومة ، سيكون مكشوفا بصفته مضاربا ، طالما أن تمويل عمليات الإستيراد مشروط بإجازة حكومية مسبقة ، سيوفر منحها فرصة مراقبة أسعار البيع ، وضمان إستقرار الأسواق .
هنا يصير سعر الصرف الذي تضمنه عملية ضخ للدولار يتوازن فيها العرض مع حجم الطلب ، قابلا للحماية إذا تعرض لضغوط إضافية ستكون محدودة وعابرة ، وقابلة للحصر والملاحقة ، ويصير لمصرف لبنان القدرة ببضعة ملايين من الدولارات حماية سعر الصرف ، ومعه يصير مطلوبا من وزارة الإتقصاد ، تحمل مسؤولياتها لمراقبة حقيقية خارج المكاتب لأسعار المواد الإستهلاكية ونشر لائحة يومية لهذه الأسعار ، وإنزال عقوبات مشددة بالمخالفين .