حملة إستباقية على تدخل مصرف لبنان لماذا ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
هل أن التحذير من تدخل مصرف لبنان في سوق الصرف لدعم تثبيت سعر الليرة اللبنانية ، ضمن هوامش تحفظ القدرة الشرائية للبنانيين هو نتاج تحليل علمي ، كما يظهر عند الإستناد إلى أن الطلب على الدولار سيكون أقوى من كل عرض ، وستكون النتيجة إستنزاف إحتياطي مصرف لبنان ، الذي يفترض أنه مخصص لتغطية حاجات الإستيراد الضرورية من مشتقات نفطية ودواء وقمح ومواد أولية للصناعة ؟
المفارق أن أصحاب هذا الرأي هم أنفسهم غالبا الذين يهاجمون الحكومة بداعي الفشل في تثبيت سعر الصرف ، وهم الذين يدعون الناس للنزول إلى الشارع كلما إهتز سعر الليرة في السوق ، ويتحدثون عن ثورة وعنف وجوع ويدعون للإنتفاض بلا خطة وبرنامج ، ولا يمكن فهم دعواتهم سوى أنها دعوة للفراغ والفوضى فهل هذا هو مشروعهم ، الضغط لإفشال مشروع تثبيت سعر الصرف لإبقاء الباب مفتوحا لفرص تعميم الفوضى ؟
الأرقام تقول أن سبب الطلب على الدولار كان ينقسم إلى خمسة كتل ، الكتلة الأولى هي المتصلة بسداد سندات الدين وقد توقف بقرار من الحكومة ، وناله ما نال قرار تدخل مصرف لبنان ، من تهويل وتحذير من النتائج ، ولا زال البعض يصنفه من القرارات الخاطئة للحكومة ، لأنه يريد أن تنضب أموال الدولة سريعا وتتوافر فرص الفراغ والفوضى باكرا ، والكتلة الثانية لإستيراد السلع التي لم تعد قدرة اللبنانيين الشرائية تتيح إستهلاكها كالسيارات وكثير من الكماليات ومعها نفقات السياحة خصوصا الى مصر وتركيا وكلفة العاملات المنزليات وسائر أنواع العمالة الأجنبية ، وكلها تراجعت بما يقارب الإضمحلال ، ويشكل مجموع هاتين الكتلتين ثلثي الحركة في ميزان المدفوعات ، يبقى أن الكتلة الرئيسية كمصدر ثالث للطلب على الدولار ، تأتي من المستوردات هي تلك التي يغطيها مصرف لبنان اليوم على سعر 1500 ليرة ، وتشكل المشتقات النفطية نقطة الثقل فيها ، وهي اليوم منخفضة القيمة بسبب هبوط أسعار النفط عالميا .
يبقى الطلب الناتج عن إستيراد سلع غذائية وإستهلاكية ضرورية ، كمصدر رابع ، وكان يشكل ضعف ما هو عليه اليوم ، ويمكن بتشجيع صناعات محلية كانت مزدهرة ، كالسكاكر والألبان والأجبان والعصائر والألبسة والأحذية تخفيضه مرة ثانية للنصف ، ويمكن تغطية حاجاته اليوم بقدر من الترشيد عبر إجازات الإستيراد ليتكفل عائد المبالغ التي يتم ضخها في السوق من الدولارات والمقدرة بمئة وخمسين مليون دولار شهريا ، بين تحويلات يضع مصرف لبنان يده عليها بسعر 3200 ليرة ، ومبالغ يضخها حزب الله عبر الصرافين ، أن تغطي حاجات الإستيراد وتوفير صيد إضافي للدفاع عن الليرة بوجه المضاربة ، دون المساس بالإحتياط المخصص لإستيراد القمح والنفط والدواء .
المصدر الخامس هو الطلب لنقل مدخرات بالليرة اللبنانية إلى الدولار ، سواء لضمان قدرتها الشرائية والإحتفاظ بها كما جرى مع بدء إرتفاع الدولار على حدود ال2000 ليرة ، أو بنية المضاربة كما تفعل الكثير من المصارف ، وكما قالت بعض التحقيقات أن مصرف لبنان كان يفعل ، وهذا المصدر بشقيه شبه مجمد بالسيطرة على حركة الليرات اللبنانية عبر المصارف ، وبات تحت السيطرة أكثر مع إكتمال نصاب تعيينات مصرف لبنان ، ويمكن عند تثبيت سعر الصرف توقف الحركة لشراء الدولار حفاظا على القدرة الشرائية ، بل يمكن توقع العكس ، بيع مدخرات بالدولار وتحويلها إلى الليرة اللبنانية خشية نزول سعر الدولار أكثر ، والمدخرات المرشحة للتحرك تدريجيا تبلغ خمسة مليارات دولار ، فإذا وثق الناس بهبوط سعر الدولار ، سياهمون بقوة المصلحة بهبوطه أكثر، كما ساهموا عندما بدأ بالإرتفاع بقوة المصلحة برفعه أكثر .
أن يمول مصرف لبنان حاجات الإستيراد الإستهلاكي من الدولارات بسعر 3200 ليرة ويحمي سعر لليرة يقرتب من هذا السعر تدريجا دون المساس بالإحتياطات ممكن جدا ، وكل حديث عن تهريب الدولارات إلى سورية هرطقة سياسية ، يكذبها سؤال بسيط ، من هو الذي سيقبل بيع دولار مقابل ليرة سورية ، وإن تم تبديل الدولارات بليرات لبنانية فبماذا تبدل عندما تذهب الدولارات إلى سورية ، ومن أين سيأتي المقابل اللازم للعملية بالليرات اللبنانية ، يقولون بسذاجة يبدل حزب الله دولاراته بليرات لبنانية ثم يشتري بها دولارات مصرف لبنان لحساب سورية ، فلماذا لا يرسل دولاراته بدلا من هذه العملية المثيرة للسخرية ؟
سؤال أخير للذين يتحدثون عن تهريب المازوت والطحين إلى سورية كمصدر لإستنزاف الدولار بإعتبارها سلع ممولة بسعر مدعوم للدولار على ال1500 ليرة ، يجب أن يجيبوا عن العملة التي يبيع بها المهربون هذه المواد إلى سورية ، وبأي أسعار سيبيع التجار والمهربون ، وعندها سيجدون أنفسهم يقولون دون أن ينتبهوا ، أن التهريب يعوض أرقاما من الدولارات للسوق أعلى من الذي يستنزفه .
حملات تستند إلى ضخ تحليلات ومعلومات ، مفبركة تلبس ثوب الجدية ، والهدف واضح ، إبقاء سعر الدولار في ارتفاع ليتوفر مناخ التصعيد والغليان في الشارع ، طريقا للفراغ والفوضى .