يدور النقاش في الدوائر السياسية والإعلامية حول ما إذا كانت سوريا سترد على الغارات الإسرائيلية التي تعرضت لها مناطق قريبة من دمشق مساء امس ، والنقاش المشكك ينطلق من التعمية النمطية التي لا تزال تعيش أجواء القدرة الإسرائيلية التي لا تقهر ، وترى فيها قدرا لا يرد رغم كل الهزائم التي منيت بها من لبنان إلى غزة ، كما تنطلق من تصوير القيادة السورية كقوة تخشى التصادم مع إسرائيل ، أو تقيم معها تفاهمات ضمنية تسمح لإسرائيل بالعربدة كيفما ومتى شاءت دون أن تلقى ردا على عربدتها .
لا أحد يستطيع الإنكار لحقيقة أن معادلة العلاقة بين سوريا وإسرائيل خلال الأزمة حكمتها ثنائية ، أول أبعادها الإفادة الإسرائيلية من الأزمة على عدة جبهات ، من ضرب الدفاعات الجوية وإتسهداف الطيارين المحترفين ومراكز التنصت والحرب الإلكترونية بواسطة جماعات المعارضة ، والسعي للعبث بالنسيج الوطني السوري عبر تشجيع القوى المتطرفة كجبهة النصرة – فرع تنظيم القاعدة ، الذي لم يحرج إسرائيل بلسان وزير حربها الإشادة به ، كما أفادت إسرائيل حكما من نتائج الأزمة بإرباك حلف المقاومة الذي تشكل سوريا صلة الوصل بين ركنية إيران وحزب الله ، وقاعدته السياسية الرسمية المعنية مباشرة كدولة بمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي ، وتملك جيشا مجهزا لحرب قادمة ، ولذلك فالواقع الذي لا يمكن إنكاره لمن يتطلع نحو طبيعة الحلف الذي قاد التصعيد ضد سوريا ، أن إسرائيل ليست بالصدفة حليفا مباشرا لكل المنخرطين في التحالف الذي سمي أصدقاء سوريا لقيادة الحرب عليها ، بحيث ان معيار الإنضمام ودرجة الحماس لهذا الحلف كانت تقاس بين حكومات العالم بدرجة التعاون والتنسيق مع إسرائيل ، وصولا إلى دخول إسرائيل مباشرة على خط حماية جبهة النصرة ودورها في جنوب سوريا وخصوصا في الجولان وإعلان تورطها المباشر في الحرب المسماة داخلية .
العامل الثاني في ثنائية معادلة سوريا وإسرائيل كان السعي الإسرائيلي الدائم لإستنزاف المقاومة التي يمثل حزب الله رأس حربتها ، والرهان على ما تمثله الحرب في سوريا لإضعاف قدراتها ، و قياس مدى تأثير هذه الحرب على قدرة الردع التي تملكها المقاومة من جهة ، وقدرة الهجوم البري التي تعرف إسرائيل أنها معنية بالجليل في أي حرب قادمة ، من جهة أخرى ، لكن فوق كل هذا المتصل بخيارات الحرب التي ترغب إسرائيل إسترداد القدرة على خوض غمارها ضد المقاومة ، بقيت عين إسرائيل على ما تقدمه سوريا من سلاح وعتاد حديثين للمقاومة ، خصوصا من الترسانة الروسية التي تتزود سوريا بأحدث ما فيها في سلاح الصواريخ البرية والبحرية والجوية .
الغارات الإسرائيلية تتصل بالثنائية نفسها ، لكن من جانب سوريا والمقاومة اللذان تدور حول علاقتهما الحرب على سوريا والغارات الإسرائيلية ، اللذان واجها هذه المعادلة الثنائية بثنائية موازية ، فالواضح من كلام سيد المقاومة أن قدرات المقاومة خصوصا في العتاد والسلاح قد زادت كما ونوعا ، وهذا إنجاز تعترف به المراجع الإسرائيلية ، ما يعني أن الغارات الهادفة للتهديد لم تنفع في ثني سوريا عن تقديم المزيد ولا في تخويف المقاومة من إستيعابه و زجه في الخطط القتالية أو منظومة الردع ، والغارات الهادفة للتدمير سواء أصابت أهدافا أم لا فهي لم تؤثر في الحصيلة الإجمالية لزيادة قدرات المقاومة ، وعلى ضفة موازية تمثلت ثنائية سوريا والمقاومة ، بإمتصاص الغارات الإسرائيلية المرتبطة بالبعد الداخلي للحرب في سوريا ، لحين تحقيق الإنجاز الميداني الذي تكون الغارات تريد تعطيله أو توجيه الإنذار لمنع الإقدام عليه ، كما جرى في غارات جمرايا لمنع حرب القصير فكان القرار إنهاء القصير ثم الرد بعمليات الجولان ، وفي غارات جمرايا الثانية قبل حسم يبرود لمنع الحسم فيها فكان الرد حسم يبرود ثم عملية مزدوجة في مزارع شبعا والجولان ، واليوم واضح ان الغارات المتعددة الأدوار ستلقى وفقا لمعلومات مؤكدة ردا متعدد الأبعاد ، فالسير بالحسم في جوبر والقلمون وحلب أولوية لسوريا والمقاومة ، والرد المناسب المباشر كما يبدو هذه المرة لن ينتظر إنجاز الحسم ، فنكون على موعد ليس بعيدا لرد يحسم الجدل ، بإنتظار حسم يثير المزيد من الجدل .
2014-12-08 | عدد القراءات 4254