دعوات اللامركزية رسائل سياسية مفخخة كتب ناصر قنديل

  • ليس من عاقل إلا ويدرك أن زمن البحث بالصياغات ذات الطابع الميثاقي ، كمثل إلغاء الطائفية أو اللامركزية ، أو تعديل الصلاحيات الرئاسية ، لا يمكن أن يكون الزمن الذي يعيشه لبنان اليوم ، إذا كانت النوايا من وراء طرح هذه القضايا صياغة تطوير للنظام الدستوري ، فلبنان يعيش في قلب عاصفة إقليمية من حوله يعاد خلالها رسم خرائط المنطقة ، ومشاريع الإستهداف تجاهر بالدعوة لفرط وحدة الكيانات التي قامت مطلع القرن الماضي وإعادة تشكيلها ، ولا يخفي أصحاب هذه المشاريع نواياهم بأن تكون عملية الفك والتركيب منسجمة مع إستيلاد كيانات أو شبه كيانات ، تستند إلى هويات عرقية أو دينية ، تحاكي إعلان كيان الاحتلال لنفسه كدولة يهودية ، والعقلاء والحريصون في مثل هذ المراحل ، يرجئون كل ما يفيد تداوله بنوع من التقاطع ولو بالشكل مع هذه المشاريع المشبوهة ، منعا لوقوعها في خندق خدمة المشاريع المشبوهة التي تستهدف كيانات المنطقة ، ومنها لبنان .
  • في البعد الداخلي اللبناني ، تضغط أزمة إقتصادية بنيوية وتتحول إلى أزمة معيشية خانقة ، وتهدد بتعميم الفوضى وإضعاف الدولة كلما تفاقمت الأزمة وإرتفع منسوب الغضب الشعبي ، وتراجعت مقدرات الدولة والثقة بأهليتها للتصدي لهذه الأزمات ، وفي كل بلاد العالم عندما تضعف الدولة المركزية ، وتنشأ حال من الفوضى السياسية والأمنية والإجتماعية ، تبرز إلى السطح اشكال من التنظيم الذاتي والإدارة المحلية في المناطق ، وتحاول القوى الممسكة بمناطق نفوذ إنشاء نوع من سلطات الأمر الواقع ، ولا يمكن الفصل في هذا المناخ بين دعوات بعض القوى للامركزية موسعة في هذه المرحلة ، وبين نوايا الإستعداد لخلق مناخ سياسي وإعلامي لشرعنة واقعية في الرأي العام لنوع من السلطات الذاتية التي تستعيد ذاكرة سيطرة الميليشيات على الجغرافيا اللبنانية ، وتقاسمها ، خصوصا عندما يكون أصحاب الدعوة من الذين قاموا بالفعل بإقامة دويلاتهم على أنقاض الدولة ، وصنعوا لذلك نظريات ومشاريع سياسية وإقتصادية ، وشعارات ، لا تقف عند حدود اللامركزية بل تقوم على فكرة التقسيم بمسميات مختلفة منها الفدرالية ، كإطار تخدمه صيغ اللامركزية وتمهد له الطريق .
  • عندما يكون الإنقسام السياسي في أعلى مراتبة بين القوى الكبرى في البلد ، وهي القوى التي تمثل مهما تغطت بوطنيتها أو علمانيتها ، تركيبة ومصالح طائفية ، فهذا يعني أن الإستقطاب السياسي صار طائفيا وإنتهى ، وعندما لا يتوقف احد عن التحذير من خطر الفتنة ، فهذا يعني أن العصبيات الطائفية مستنفرة في ذروتها ، وفي مثل هذه الحال لا تقع دعوات اللامركزية إلا على هذين الإستقطاب والإستنفار ، لتشكل الوعاء الفكري المؤقت البديل لفكرة الوطنية ، ليستقر البديل النهائي على تشجيع مشاريع تحويل الدولة إلى دويلات ، وفي الطريق الإستثمار على كل مفردات الأمن الذاتي والإقتصاد الذاتي والإنماء الذاتي والتنظيم الذاتي ، وهي محطات إنتقالية على طريق سقوط الوطن الواحد .
  • لا يستطيع بعض أصحاب النوايا النظرية في طرح اللامركزية إنكار هذه الحقائق ، ولا إنكار حقيقة أن الأمر لا يقع في سلم أولويات الناس التي تعاني من خطر الإنهيار والجوع ، وأن الدفع به إلى الواجهة مفتعل ، كما لا يستطيعون إنكار أن منطقا يرافق هذه الدعوات يقوم على ربطه بنظرية قديمة مستجدة ، "لكم خياراتكم ولنا خياراتنا" ، والمقصود بها ، التلويح بالذهاب لخيار التقسيم بإسم طائفة أو مذهب ، إذا كانت الخيارات التي ستعتمدها المؤسسات الدستورية في الدولة هي التمسك بالمقاومة والعلاقة بسورية ، فلا حجة لأحد هنا بإختلاط حابل دعواتهم بنابل دعوات غيرهم ، لأنهم يخدمون هذا الغير بجعل مستقبل الوطن على المحك ، فيصير مشروعا معاملة كل دعوة للامركزية في هذه اللحظة ، كدعوة مشبوهة تمثل رأس حربة مسمومة في مشروع يستهدف وحدة الوطن والدولة خدمة لأهداف أجنبية تعلن عن نفسها وعن أولوياتها تجاه لبنان والمنطقة ، بصفتها محاولة لتحقيق المصالح الحيوية الوجودية والأمنية لكيان الاحتلال .
  • https://www.facebook.com/nasserkandil.abouissa?ref=tn_tnmn
  • https://twitter.com/nasserkandil

2020-06-20 | عدد القراءات 5451