إنه الغاز يا سادة ...وعدوكم هو المستعجل فإصمدوا !
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
ناصر قنديل
- منذ مقاطعة قيادات قوى 14 آذار للقاء بعبدا للحوار ، دون أسباب موجبة مقنعة ، وفي أول موقف موحد لها منذ إحتجاز الرئيس سعد الحريري في الرياض ، والبلاد تعيش تحت ضغط أحداث متسارعة وعمليات ضخ إعلامية ، وفبركات لأخبار أو تحوير لوقائع ، وحال إستنفار في أسواق القطع لمحاولة رفع سعر الدولار حتى ال10 آلاف ليرة مهما كلف الثمن ، وتسويق معلومات عن مواقف دبلوماسية فرنسية بقطيعة مع الحكومة ، وإستصراحات لرموز معروفة التميز بعلاقة وظيفية مع السفارة الأميركية ولو حملت ألقابا عالية ، وبالتوازي قطع طرقات ومحاولة إثارة أحداث أمنية ، وحضور مكثف للمسؤولين الأميركيين حول الملف اللبناني ، ومحور الكلام كله حزب الله سبب أزمتكم ، شارك فيها الجميع حتى موظفو الدرجة العاشرة في وزارة الخارجية ، ولم تستثن الوزير ومعاونيه ومبعوثه إلى سورية والسفيرة في بيروت ، بحيث كان كل شيئ يوحي أننا على موعد مع التحضير لحدث كبير يفترض أن ما يجري هو حرف للأنظار عنه ، أو تمهيد سياسي وإعلامية له .
- الرسالة المرمزة وصلت عن طريق معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر ، عندما قال في ختام حوار تلفزيوني ، وبطريقة أوحى أنها تعليق عابر ، "لبنان في أزمة خانقة ولدى اللبنانيين ثروات واعدة في النفط والغاز في بلوكات متنازع عليها مع "إسرائيل" ، وقد طرحنا تصورا لحل النزاع ، وأبسط الطرق لإستثمار هذه الثروات هو قبول هذا التصور" ، وكان كلام شينكر قد ترافق مع محاولات أميركية للضغط لنقل مرجعية التفاوض على ملف الغاز من رئيس مجلس النواب ، المحصن بوجه الضغوط أكثر من سواه ، أولا لوجوده خارج السلطة التنفيذية وثانيا لخبرته العريقة بهذا النوع من التفاوض ، وثالثا لإنسجام ثباته على التمسك بالحقوق اللبنانية مع موقف بيئته الشعبية المشتركة مع حزب الله ، في ظل تناغم ثنائي يخلق أرضية صلبة سياسيا وشعبيا يمكنه الإستقواء بها ، أملا بتحول عمليات المطالبة بنقل المرجعية إلى مصدر للشكوك والظنون بين الحلفاء ، وإضعاف التماسك الداخلي بوجه الشروط الأميركية التي تمثل مصالح كيان الاحتلال ، إضافة للرهان إذا نجحت عملية النقل على تحويل المرجعية الجديدة إلى خاصرة رخوة بفعل التلاعب ببيئتها الحاضنة ، وحيطها السياسي ، وتعريضهما للضغوط .
- لم يلق كلام شينكر تفاعلا من لبنان الرسمي والسياسي ، لنكتشف أنه في ذات الوقت كانت وزارة الطاقة في كيان الاحتلال تنهي التحضيرات لإطلاق مناقصة تلزيم لإستثمار مقاطع بحرية متاخمة للمياه اللبنانية الإقليمية ، بما يشبه التحرش ، حيث من المعلوم كما يقول الخبراء أن كميات الغاز الضخمة الموجودة في المقاطع اللبنانية المحاذية ، والتي يزعم كيان الاحتلال ملكية أجزاء منها ، ليست بلوكات حجرية بل هي خزانات سائلة يسهل سرقة الكثير من مخزونها من المياه العميقة ، ودون دخولالمنشآت الخاصة بالتنقيب إلى المياه اللبنانية والمناطق المتنازع عليها ، وهي شريط رقيق ، يبدأ يعرض لا يزيد عن مئتي متر وينفرج تدريجا ليبلغ في أقصاه ، عشرة كيلومترات في عمق أكثر من مئة كيلومتر بعيدا عن الساحل .
- في أحسن التفسيرات يمكن وضع قرار كيان الاحتلال في دائرة التحرش لجذب لبنان إلى طاولة التفاوض ، بالتزامن مع مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي وربط طاولتي المفاوضات ، بذريعة الغاز الضامن لقدرة السداد ، والضغط على لبنان لقبول التنازل عن حقوقه السيادية تحت ضغوط متزايدة متعمدة لأزمته المالية ، والعبث المبرمج في سوق الصرف ، هذا مع العلم أن الفرضية الأقرب هي قيام كيان الاحتلال بإستغلال الإنقسامات اللبنانية ، لسرقة الغاز اللبناني من المياه العميقة تحت سطح البحر ، حيث الممرات المائية في خزانات الغاز متلاصقة ، ويسهل التمدد ضمنها .
- هل يستفيق السياسيون اللبنانيون على حقيقة ان الموضوع لا يتصل بشأن يخص حكومة بعينها ، بل هو موضوع مصيري يمس بمصالح لبنان واللبنانيين ، ويستدعي أعلى درجات التضامن الوطني ليبدأ لبنان بإستثمار مواز على خط حدود مياهه الإقليمية ، لحماية ثرواته السيادية ، وتأجيل التفاوض على شريط النزاع لمراحل لاحقة يكون وضع لبنان التفاوضي فيها أفضل ، وإدراك أن إستعجال كيان الاحتلال يكفي لإدراك أن الصمود اللبناني يكفي في المواجهة .
2020-06-29 | عدد القراءات 19544