ناصر قنديل
– الأكيد أن لا بدائل راهنة عند أحد في الداخل والخارج لحكومة الرئيس حسان دياب، لكن الأكيد هو أن خصومها يريدون لها أن تترنح لتكون جاهزة للسقوط عندما يصبحون جاهزين لوراثتها، سواء عبر انتصار سياسيّ إقليميّ على حلفاء الحكومة أو نضوج فرص التسوية معهم، والأكيد بالمقابل أن حلفاء الحكومة منقسمون في أولوياتهم، والحكومة بجدول أعمالها زادت الانقسامات فأضعفت الحلف الواقف خلفها وضعفت معه، ورغم ما يحق للحكومة أن تتباهى به لجهة وقف الانهيار السريع عبر توقفها عن دفع مستحقات سندات اليوروبوند، ورغم ما أنجزته في مواجهة كورونا بنجاح، ورغم أحقية الكلام عن عراقيل وضغوط خارجية وداخلية لأي محاولة للإنقاذ، إلا أن ذلك لا يشكّل إلا وصفة لتبرير الفشل، وليس لتحقيق النجاح، فيمكن التحدّث ليلاً نهاراً عن التركة الثقيلة وعن مصرف لبنان والمصارف وعن شبكة المصالح والمحاصصة، وعن التعقيدات الدولية والإقليمية، لكن لتقديم خلاصة مفادها، أن الحكومة تصرّف الأعمال ولا تملك خطة بل وربما لم تعُد تملك قضية، والأهم ليس أن تقتنع الحكومة بما تفعله، بل أن تستطيع إقناع اللبنانيين أنه المطلوب، وليس مهماً أن تتفاءل الحكومة بأن الغد أفضل من الأمس واليوم، بل أن تبقي نوافذ الأمل مفتوحة أمام اللبنانيين بوقائع عيشهم اليومية، لأن هذه هي مهمة السياسة.
– الأسباب التي تُساق في تفسير الشلل الحكومي بمواجهة تفاقم الأزمة، والتي يتحدّث عنها الوزراء كلما سئل أحدهم عما يفعلون، معلومة قبل تشكيل الحكومة، ومن لا يملك وصفة واقعية وممكنة للتعامل معها وفي ظلها، كان الأفضل ألا يتحمّل المسؤولية، لا أن يتحدث اليوم عن مشكلات تبرر العجز يعرف اللبنانيون أنها كانت موجودة غداة تشكيل الحكومة، فلو كانت الجهات الدولية المقرّرة في توفير الأموال بوارد التراجع عن شروطها السياسية لما استقال الرئيس سعد الحريري، الذي يربط جهوزيته للبحث بالعودة بتغيّر هذه الظروف لأنه لا يريد أن يتحمل تبعات الانهيار الذي يتحمل مسؤولية رئيسية مع حلفائه وشركائه في الحكم في إنتاجه، وعدم دعم الحلفاء لمشاريع جذريّة كتغيير في مصرف لبنان أو تمسكهم بأسلوب المحاصصة، أو عدم تحول الشارع الغاضب إلى قوة دعم للحكومة لتحقيق توازن جديد مع الحلفاء والخصوم، وعدم وجود تيار نخبويّ فاعل إعلامياً وثقافياً وسياسياً يستثمر على فكرة حكومة مستقلين، كلها نتائج لم تكن بحاجة لاختبار ستة شهور لاكتشافها. وكان على الحكومة عدم الوقوع بأوهام أنها تملك قوة دفع تتيح لها تحقيقها، أو الرهان على نجاح مأزق الآخرين بفتح النوافذ لسقوف عالية في مطالبها وصولاً لتعديل التوازنات، بخوض الاشتباكات على كل الجبهات دفعة واحدة. هكذا وقعت الحكومة في تجريبية سياسية واقتصادية ومالية أفقدتها بالتدريج وهج الاندفاعة، وحوّلتها إلى قوة الاستمرار بفعل الجاذبية ورفض الطبيعة للفراغ.
– لا صندوق النقد الدولي يقف وراء الباب، ولا سعر الصرف قابل للتحكم، ولا خطة إصلاح جذرية قابلة لتحقيق نتائج فورية، ولا إجراءات جراحيّة في مواجهة الفساد يمكن أن تحدث صدمة إيجابية، والناس غير مهتمة بما يمكن أن تقوله الحكومة عن إنجازات بمعايير دفترية، فالإنجاز الوحيد المطلوب، والخطة الوحيدة المطلوبة، والجواب الوحيد المطلوب، كيفية توفير فرص الصمود أمام اللبنانيين وحفظ الاستقرار الأمني، وتخفيض التوتر السياسي، ريثما يحدث أحد ثلاثة أمور، مناخ سياسي إقليمي جديد يتيح تغييراً في العلاقات الخارجية لصالح الانفراج، تقدير دولي لخطر الانهيار اللبناني يدفع لتمويل حاجات خطط النهوض من دون شروط سياسية قاتلة، تبلور تفاهمات سياسية داخلية بين الحلفاء أو بينهم وبين الخصوم تتيح فصل ما هو وطنيّ عما هو سياسي، على قاعدة التفاهم على معالم خطة إصلاحية واقعية تقتنع الحكومة بأنها أفضل من مئة خطة جميلة لا تعرف طريق التطبيق، ويعرف الآخرون أنها استحقاق لم يعد يقبل التأجيل.
– بانتظار ذلك، خطة الصمود هي ببساطة وضع ترتيبات تتيح بما لدى مصرف لبنان من احتياطات بالعملات الصعبة، وما يأتي من تحويلات، وما قد يأتي من تنشيط حركة السفر إلى لبنان، توفير ما يكفي لحاجات لبنان لخمس سنوات بأسعار تضمن للمواطن اللبناني الحصول على أساسيات العيش بكلفة لا تزيد بأكثر من 50% عن كلفة تأمينها قبل عام من الآن. وهذا عملياً يعني العودة باللبنانيين إلى ما قبل سلسلة الرتب والرواتب من حيث مستوى معيشتهم، وهو أمر يمكن التأقلم معه ريثما تتوافر الفرص لخطط نهوض جدية، أو لانفراجات واقعية، وهذا ممكن وليس شديد الصعوبة تحقيقه، ويستدعي قراراً حاسماً بفصل الكتلة الأساسيّة من حاجات اللبنانيّين عن أسعار سوق الصرف، الخبز والمحروقات والكهرباء والهاتف والدواء واللحوم والألبان والأجبان والبيض وسائر المواد الغذائيّة الرئيسية، وإيجارات المنازل وأقساط المدارس والجامعات، وبدلات النقل، وتجميد الديون وفوائدها واستحقاقاتها على اللبنانيين أسوة بتجميد ودائعهم، وهذا بالطبع يستدعي فتح الباب لصناعات وزراعات كانت موجودة ودمّرها النظام الريعيّ، كما يستدعي الانفتاح على أسواق رخيصة، واعتماد التبادل بالسلع أو بالعملات الوطنية مع الخارج كأولوية، والتكامل في خطة الصمود مع الجوار الذي يبدأ بسورية بواقعية مصلحية، بمعزل عن السياسة.
– على الحكومة أن تسارع بمصارحة اللبنانيين، بما لا تستطيع فعله ولا تعِد بفعله، وبما تستطيع وتعِد به وستفعله، وبخطتها تحت عنوان الصمود وليس الحلول السحريّة، وعن منع الأسوأ وليس تحقيق إنجازات، وعن فعل الممكن وليس الانتظار.
2020-07-02 | عدد القراءات 3316