ناصر قنديل
– قد تلتقي مع رئيس الحكومة حسان دياب أو تختلف حول الرؤى والمبادرات، لكن لا يستطيع أحد إنكار حقيقة أن الأزمة المتفاقمة التي تشهدها البلاد لها عنوان واحد، هو عدم توافر الدولار الذي يفترض تأمينه بسعر مخفض جداً لاستيراد المواد الرئيسية كالفيول والقمح والأدوية، وعدم توافر هذا الدولار بسعر أعلى نسبياً، لكنه دون سعر السوق السوداء لاستيراد المواد الاستهلاكية وخصوصاً الغذائية منها لتحرير سلة الاستهلاك اللبنانية من الارتباط الذي يقيمه التجار مع سعر الدولار وضمان عدم ارتفاع الأسعار عن العام الماضي بما يتعدّى الـ 50%.
– خلال شهرين، خصوصاً منذ مطلع شهر أيار تعهّد حاكم مصرف لبنان عشرات المرات تكراراً بأنه مسؤول عن تأمين الدولارات اللازمة لعمليات الاستيراد المحدّدة بالأسعار التي تتوزع بين منخفض ومنخفض جداً حسب السلعة. وهو يتباطأ ويتلكأ من جهة، حتى فقدت السلع من الأسواق وانقطعت الكهرباء ولا نكاد نصحو على زوال أزمة الخبز حتى تبدأ أزمة البنزين ولا تذهب أزمة البنزين حتى تأتي أزمة المازوت، وقبل أن ترحل تحلّ أزمة الدواء. هذا عدا عن أن أسعار المواد الغذائية كالرز والسكر والزيوت والألبان واللحوم تحتسب على سعر السوق السوداء لأن أياً منها لم يتم تمويل استيراده بالسعر المدعوم لأن كلام مصرف لبنان لا يُصرَف عملياً.
– من جهة ثانية لا يزال الطلب في السوق السوداء على الدولار في نسبته الرئيسية يعود لحساب المصارف التي ينوب عنها بعض الصرافين بشراء كل ما يطرح في السوق من دولارات، بينما يتمّ الحديث عن شائعة وجود خطة لرفع الدولار إلى 25 ألف ليرة يتمّ عندها تحويل الودائع إلى الليرة اللبنانية، ويترسمل مصرف لبنان بالدولارات ليبدأ بتخفيض السعر بالتزامن مع تغيير سياسي مرتبط بالخطة، وعملياً ارتفاع سعر الدولار 100% خلال أسبوعين ما يعني أنه إذا واصل الارتفاع بهذه الوتيرة فسعر الـ 50 ألف ليرة ممكن نهاية الصيف بعد وضع اليد على الدولارات التي سيحملها المغتربون بدلاً من تركها تنعش الاقتصاد وسعر الصرف.
– من الأيام الأولى لتوليه رئاسة الحكومة لم يكن لدى حسان دياب توجّه مسبق ضد حاكم مصرف لبنان، لكن التعامل على مدى الأسابيع الأولى أوصله لقناعة بأن الحاكم لا يريد تسهيل الحلول، ولا التعامل وفقاً للقواعد الدستورية التي من واجبه احترامها، وأنه يحجب المعلومات، ويتصرّف بغموض مريب، ثم باتت لديه قناعة بأن الحاكم متورّط في خطة لإسقاط البلد خدمة لمشروع لا يعرف أحد أهدافه، فتوجّه إلى شركائه طالباً التوافق على تغيير الحاكم فلم يوفق، وطلب إليه تحمّل التعاون مع الحاكم فاستجاب وفتح الباب لفرصة ثانية قدّمت خلالها الوعود، في اجتماعات رئاسيّة وحكوميّة مصغّرة وموسعة، وعنوان الوعود ثلاثة، أولها تمويل بلا تأخير لحاجات الفيول والمشتقات النفطية والقمح والدواء، وثانيها تمويل مدعوم لاستيراد السلع الاستهلاكيّة والغذائية، خصوصاً من عائدات عمليات التحويل التي تصل للبنانيين من الخارج، وضع المصرف يده على دولاراتها وفرض تسديدها لأصحابها بالليرة، فتسبب بجفاف الدولار من الأسواق وصولاً لفقدانه، وكان سبباً لرفع سعر الصرف، وثالثها أن يتدخّل داعماً لسعر صرف الليرة ببيع الدولارات وليس بشرائها كما ثبت أنه كان يفعل، وفي الحصيلة مضى شهران وما فعله الحاكم كان العكس تماماً.
– لا يمكن أن يُلام رئيس الحكومة على صرخته العالية، وقد حدّد سبب الأزمة وتفاقمها، ومكمن الخلل، ومَن يجب أن يُقال له بالفم الملآن قم بواجبك ونفّذ وعودك أو ارحل هو حاكم مصرف لبنان وليس رئيس الحكومة. والنغمة المعاكسة تبدو جزءاً من الخطة التي يخدمها حاكم المصرف، بدعوة رئيس الحكومة للرحيل ويشارك فيها إعلاميّون وسياسيّون يتوزّعون على ضفتي الانقسام السياسي.
– الذين قدّموا الكفالات لرئيس الحكومة بتعاون حاكم المصرف معنيّون اليوم بصرف كفالاتهم.
2020-07-03 | عدد القراءات 1434085