للذين هولوا علينا بأن ضم الضفة يفسر كل شيئ ! نقاط على الحروف ناصر قنديل
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
خلال شهور تعض خلالها الأزمات المعيشية على أكباد الناس الذين يشكلون مجموع البيئات الحاضنة للمقاومة ، تدحرجت روايات ونظريات وتحليلات ، كان بينها ما يتحدث عن حرب قادمة يتم التمهيد لها بالتجويع ، وبينها ما يبشر بإنقلابات سياسية يحدثها التهديد بالعقوبات ، فتتفكك التحالفات التي بنتها ونسجتها المقاومة من حولها خلال سنوات ، وبينها ما يروي لنا سردية مفادها أن كل ما كنا نشهده من أحداث ، حتى ما تعتبره المقاومة إنتصارات لها وترصده في خانة هزائم المشروع الأميركي ، لم يكن إلا واجهة القشرة للأحداث ، حي العمق هو ما كان يدبره لنا الميركي ويشركنا في إنتاجه ، ففي كل مرحلة كان هناك هدف يجري تمريره ، وكانت الحرائق تنتج الداخن اللازم لتمويهه ، وبالطبع كان التدقيق في السردية يتيح لكل متمعن تفكيكها ، فالأميركي لم يربح في حرب العراق ولا كيان الاحتلال ربح في حرب تموز 2006 ، ولا غزة سقطت أو إنتحرت ، ولا اليمن الجائع والمحاصر رفع الراية البيضاء ، ولا إيران التي بنت وطورت كل شي في الصناعة والزراعة والتقنيات والسياسات ، تراجعت وتنازلت ، وصارت تبحث عن تسويات الفتات ، ولا سورية التي كادت تمحى عن الخارطة كدولة رضخت وخضعت ، بل أن الذي حدث هو العكس ، إيرن زادت قوة وها هي ناقلاتها النفطية على سواحل فنزويلا تتحدى الأميركي ، وسورية تستعيد سيطرة جيشها في أغلب الجغرافيا التي سلبت منها بحروب جندت لها الدول الكبرى حكومات وكيانات المنطقة الكثير الكثير ، وغزة تهدد بصواريخها عمق الكيان ، والمين الجريح يمسك بناصية أمن الطاقة في الخليج ، والمقاومة تمتلك ما طال إنتظار إمتلاكه ، من تقنيات عسكرية ، فتعلن التهديد بقلب الطاولة .
المهم في السردية أنها قالت أن ما يجري من حرب تجويع له وظيفة واحدة ، هي التمهيد لتطبيق الجزء الخاص بضم الضفة الغربية من صفقة القرن ، وهو القرار الذي كان وعد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لمستوطنيه بأنه سيعلن في الأول من تموز ، وكتبنا قبل ذلك التاريخ بكثير ، أنه لن يجرؤ على تنفيذه ، كما كتبنا من أيام أعلنت صفقة القرن أنها ولدت ميتة ، وعلتنا التي نستند إليها ، تقوم في جوهرها على معادلتين ، الأولى أن القصف المركز أو العشوائي ليس دائمل للتمهيد لهجوم بل هو أيضا يكون تغطية للإنسحاب فعلينا التبين بين الأمرين قبل الوقوع في الخطا القاتل ، فنتعامل مع الانسحاب كأنه هجوم ، والثانية أن الخط البياني الذي حكم العالم منذ 1990 حتى 2020 ، هو خط يرسم مستقبله بثباته دون تعرجات ، فالأميركي لم يعد قطعا الأميركي الذي كان يوم سقوط جدار برلين وتفكك الإتحاد السوفياتي ، وروسيا لم تعد تلك الدولة المفككة التائهة ، والصين لم تعد ذلك المشروع الباحث عن القوت لملايين الأفواه الباحثة عن الطعام ، وإيران لم تعد كما كانت عام 1990 الدولة الخارجة من حرب دمرت فيها كل شيئ ، وكيان الاحتلال لم يعد كما كان فهو اليوم عاجز عن الحرب عاجز عن التسوية التي تشق صفوف السياسة والقوة والشعوب في المنطقة ، والعراق ولبنان وفلسطين ، وسورية واليمن ، كلها متغيرات تقول أن الخط البياني هو ما لخصته الدراسة المنشورة مؤخرا في مجلة السياسات الخارجية الأميركية فورين افيرز ، عن سقوط الإستراتيجيات في القدرة علىا لتوقع والإستباق .
المهم أن النقاش لم يعد ضروريا في التحليل والإستقراء ، فقد إتضحت الصورة بالوقائع ، كيان الاحتلال لا يحتمل تداعيات قرار الضم ، والأميركي لا يستطيع توفير وسائل الحماية من هذه التداعيات ، فصار المخرج المناسب تقاسم الأدوار بين مؤيد ومعارض ، ليكون الإعلان عن التأجيل ، وهو تأجيل بمقام الإلغاء لأنه إنتظار لظروف أفضل لن تأتي ، والعقوبات مستمرة والتجويع مستمر ، لكنهما قصف لتغطية إنسحاب أميركي يحتاج إلى شرطين لحماية كيان الاحتلال من ما بعد الانسحاب وخطر وقوقعه في الإتسفراد امام محور مقاومة ينمو ويزداد قوة ، وهو يعرضهما للتفاوض للمقايضة بالعقوبات ، وقد أعلن واحد منهما المبعوث الأميركي لسورية جيمس جيفري ، في عرضه حول قانون قيصر ، مطالبا بالعودة بسورية إلى ما قبل عام 2011 ، أي التسليم بسيطرة الجيش السوري حتى حدوده إنذاك ، وصولا لنشر القوات الدولية على حدود الجولان المحتل ، والمقايضة بين إنسحاب أميركي تركي مقابل إنسحاب إيران وقوى المقاومة ، وعرض الثاني معاون وزير الخارجية الأميركية ، ديفيد شينكر في أطروحته حول الأزمة المالية اللبنانية التي وجه الإتهامات لحزب الله بالمسؤولية عنها ، قائلا في ختام كلامه ، ليكم ثروات واعدة بالنفط والغاز في البحر وليكم نزاع مع "إسرائيل" حولها ، وأنتم في ضائقة ، وقد عرضنا لكم تصورا لحل النزاع فإقبلوا هذا التصور.
القضية تكمن في أن قوى المقاومة تعتقد انها تملك القدرة على تحمل حرب العقوبات ، ومواجهة فرضيات التجويع ، ولديها لكل منهما دواء وبدائل ، ومعهما تثق بقدرتها على التمسك برفض عروض التفاوض ، على أوهام السعي لتسوير كيان الإحتلال بتفاهمات أمنية تحميه ، وهذا يفيض عن إمتلاك القدرة اللازمة لإسقاط طموحات التوغل والتوحش التي يتضمنها مشروع ضم الضفة الذي سيكون بإنتظاره إن حصل ، تصاعد في المواجهة الشعبية والمسلحة ، قد يصل نحو لحظة الحرب الكبرى ، أو يصل لإستيلاد نماذج متكررة عن غزة المحررة في قلب الضفة وربما قلب الأراضي المحتلة عام 1948 ، وربما كانت رسالة المقاومة بكلام السيد حسن نصرالله ورسالة الإعلام الحربي ، دورها في إفهام من يجب أن يفهم .