لودريان بعد التعديل

 ناصر قنديل

– في مرة سابقة في ربيع عام 2003 جربت فرنسا إثبات استقلالها عن السياسات الأميركية فصدح صوت وزير خارجيتها دومينيك دوفيليبان في ردهة مجلس الأمن معارضاً الغزو الأميركيّ للعراق، لكن النتيجة كانت رحيل دوفيليبان مهزوماً، وذهاب مستشار الرئيس الفرنسي جاك شيراك موريس غوردو دو مونتانيه إلى واشنطن معلناً التبعية للسياسات الأميركية في المنطقة، على قاعدة المعادلة الجديدة، بلاد المشرق ليست منطقة نفوذ فرنسية، بل هي منطقة تميّز فرنسية ضمن النفوذ الأميركي، وعلى فرنسا الامتثال للطلبات الأميركية وعدم التفرد بسياسات تعرقلها تحت شعار الخصوصيّة، مقابل ضمان نسبة من الخصوصية لفرنسا عندما يحقق المشروع الأميركي أهدافه، ومنذ ذلك التاريخ سارت الأمور على هذا الأساس، مع تغيّر الرؤساء والسياسات والأحزاب في فرنسا. وكان القرار 1559 الخاص بلبنان، أول ترجمة ملموسة للتموضع الفرنسي تحت العباءة الأميركية.

– هذه المرة وقف وزير المالية الفرنسية برونو لومير في اجتماع وزراء مالية دول قمة العشرين في شهر شباط الماضي، متحدثاً عن لبنان، الرقعة الأضيق في المشرق التي تحلم فرنسا بقدر من المراعاة الأميركية لمصالح تربطها فرنسا بالتركيبة الطائفية في لبنان، وبتاريخ الحضور الفرنسي السياسي والثقافي والاقتصادي في لبنان، فقال متمنياً أن يجري فك الاشتباك بين مشروع مساعدة لبنان على التعافي، الذي يفترض أن ترعاه فرنسا عبر مؤتمر سيدر، وبين المواجهة الأميركية مع إيران، التي يترجمها إعلان حرب مالية على حزب الله وعبره على لبنان، تحت عنوان حملة الضغط القصوى.

– في المرحلة الأولى من الضغوط الأميركية كترجمة لرفض دعوة لومير، تموضع وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان تحت عنوان، الالتزام بمقررات مؤتمر سيدر، الذي ترعاه فرنسا لدعم لبنان، لكن بشرط حصول لبنان على خطة تعاون مع صندوق النقد الدولي، الذي تمسك واشنطن بدفته، وهو شرط لم يكن موجوداً عند انعقاد مؤتمر سيدر، ولا في كواليس التشاور بعد انعقاده، وبدا بوضوح أن الحملة الأميركية مستمرّة لترويض الموقف الفرنسي وجلبه إلى بيت الطاعة الأميركي، فتم إلغاء زيارة كانت مقررة إلى لبنان كان ينوي لودريان القيام بها، قبل شهرين.

–  أُفرج عن زيارة لودريان الراهنة بعد دمجها بزيارات مشابهة في المنطقة، منعاً للتميز والخصوصية، وحُدّد سقف الموقف الفرنسي في الزيارة، بالتخلي عن معادلة لومير علناً، أي بدلاً من الدعوة لفك الاشتباك بين دعم مشروع تعافي لبنان والمواجهة الأميركية مع إيران، تعهّد لودريان بأن يبلغ القيادات اللبنانية، وعلى رأسها رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، بربط الأمرين حتى العظم، متحدثاً عن ضرورة ضبط أداء حزب الله تحت سقوف ترضى عنها واشنطن، لتتمكّن فرنسا من تقديم المساعدة، والحجة الجاهزة، ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم، وقد جرى تنشيط منصة الدعوة للحياد على شرف الزيارة، ليتخذها مثالاً لما يمكن أن يفعله لبنان ليحظى بالدعم المنشود، واللازمة مكرّرة، سارعوا بالإصلاحات التي تجد قبولاً لدى صندوق النقد الدولي، فكل شيء صار مربوطاً بالاتفاق معه، من مساهمات سيدر إلى طلبات لبنان من أشقائه العرب، وبانتظار ذلك يحمل لودريان ما سمح له به الأميركيّون، أسوة بما يسمحون به للدول العربية الراغبة بالمساعدة، بعض الأوكسيجين للتنفس، وحصة لودريان منها، مساهمات لدعم المدارس الكاثوليكية فقط.

2020-07-21 | عدد القراءات 3638