الإنتظار القاتل أول الرد : غموض التربص نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
يعرف الأميركيون و"الإسرائيليون" أن جوهر ما تدور حولهالضغوط على المقاومة يتصل بضمانات تريدها واشنطن لتل أبيب قبل الانسحاب من المنطقة ، والضمانات تتصل بمستقبل وجود المقاومة في سورية ومستقبل الحدود البرية والبحرية للبنان مع فلسطين المحتلة قانونيا كإطار لفتح الباب للبحث بمستقبلها الأمني ، ويعرفون أن ميدان المواجهة العسكرية هو ميدان تفوق للمقاومة بمثل ما هو الميدان المالي ساحة تفوق أميركية ، ولذلك فإن الغارة التي شنها جيش الاحتلال قرب مطار دمشق وإرتقى بنتيجتها شهيد للمقاومة ، بما تمنحه للمقاومة من حق الرد وفقا لمعادلة ارساها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل سنة ، ولا زالت سارية حتى تاريخ الغارة الأخيرة وإستشهاد المقاوم علي محسن ، تفتح ميدان التفوق الذي تنتظره المقاومة في هذا السجال المتعدد الوجوه والأدوات ، والممتد لشهور قليلة قادمة حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية ، فلماذا يتوقعون من المقاومة سرعة توظيف الرصيد المتاح لها عبر رد محسوم ، بينما بيدها مراكمة فوائد هذا الرصيد قبل صرفه ؟
حال الذعر في كيان الاحتلال ، وإهتراء الجملة العصبية للكيان كتجمع إستيطاني ، بالتحفز لتلقي صفعة لا يعرف مكانها ولا زمانها ولا نوعها ولا حجمها ، هو جزء من الفوائد لرأسمال قابل للصرف بتوقيت المقاومة ، والإرتباك في صفوف جيش الاحتلال الذي بدأت علائمه بحادث الأمس الذي أودى بحياة جندي سيتفاقم كلما طال الإنتظار وتكثر تداعياته ، والمساءلة السياسية للحكومة ورئيسها على التوريط الذي تسببوا به للكيان بالوقوع تحت ضغط رعب الشمال ستشهد المزيد مع الإنتظار الصعب والقاتل ، وسيرافق كل ذلك ركود في الأسواق يزيد على ركود كورونا كما هي حال كل توتر مصيري تمر به الأسواق الاقتصادية ، فلم يتوقع بعض المتحمسين أن تسارع المقاومة للرد ؟
في شهور السجال المالي والسياسي والميداني القليلة القادمة ، صارت المبادرة بإدارة الشق الميداني منها بيد المقاومة ، حتى تقرر صرف رصيدها ، وشكل الصرف ونوعه وحجمه ، وطالما لم تقم المقاومة بصرف رصيدها فلن يجرؤ جيش الاحتلال على إرتكاب حماقة جديدة ، وسيحرص الأميركي على التمهل في خطوات مالية وسياسية ، وسيكون بيد المقاومة تقدير حجم الحاجة السياسية والميدانية للجرعة العسكرية التي يجب أن يحملها الرد ، والتوقيت الذي يلبي تكتيكاتها في قلب رؤيتها للتوازنات الإستراتيجية ، ودرجة الإهتراء في جسد الكيان الذي سيزداد توترا وتظهر عليه علائم الوهن وتزيد ، وربما يكون ملف الترسيم الذي يريد له الأميركيون و"الإسرائيليون" أن يفتح ويختم سريعا بعدما تيقنوا من رفض عروضهم السابقة ، ومثله العروض البديلة لمقايضة الانسحاب الأميركي من سورية بإنسحاب قوى المقاومة و إيران منها ، بعدما تيقنوا من سقوط هذه العروض ، الساحة التي يتعلمون تقديم التنازلات فيها ، وهم يتحفزون لتلقي الصفعة المرتقبة ، فلم يعتقد البعض بأن السرعة هي علامة القوة ؟
الأكيد والثابت أن الدقائق التي فصلت بذكاء بين إعلان إرتقاء الشهيد أثناء أداء واجبه الجهادي ، وبين إعلان إرتقائه بنتيجة الغارة قرب مطار دمشق ، ستمر طويلة في ترجمتها الميدانية ، بالقدر الذي تراه قيادة المقاومة ، التي وضعت معادلة الرد ومثلها معادلة الجهوزية ، وقالت أن الأمر أنجز وإنتهى ، ولا تعديل ولا تبديل في كليهما ، فما أجمل الإنتظار الذي يشبه بمفاعيله مفاجآت حرب تموز في مثل هذه الأيام ، ومعادلة أنظروا إليها إنها في البحر تحترق ، ومعادلة حيفا وما بعد حيفا وما بعد ما بعد حيفا !