ناصر قنديل
– عندما يضع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأولوية لبناء الدولة، سواء بإثبات التحقيق الشفاف والنزيه أو في المحاكمة العادلة في قضية تفجير مرفأ بيروت وتحديد المسؤوليات فيه. وعندما يتمسك السيد نصرالله بالترفع عن السجالات مانحاً الفرصة لتضميد الجراح، فذلك لأن السيد نصرالله أجاب عن ثلاثة أسئلة ضمناً أسست للمعادلة التي طرح خلالها بناء الدولة كامتحان سياسي ومصيري يواجه لبنان واللبنانيين، في ضوء كارثة التفجير في المرفأ، والسؤال الأول حول حجم فرضية وقوف عدوان إسرائيلي وراء التفجير، والسؤال الثاني حول حظوظ الرهانات الداخلية والخارجية على تحقيق دولي في جريمة التفجير يفتح الباب للمزيد من الحصار حول المقاومة، والسؤال الثالث حول المداخلات الدولية في ضوء التفجير، وعلى رأسها زيارة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون وما حمله إلى بيروت بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن الأميركيين.
– في الإجابة عن السؤال الأول، أورد السيد نصرالله جوابه ضمناً، بتقديمه فرضيّة وقوف عمل “إسرائيلي” مدبّر وراء التفجير، ضمن إطار محاولات متسرّعة للتحريض على المقاومة بالإيحاء أن الاستهداف ناتج عن وجود مخازن ذخيرة أو صواريخ للمقاومة في المرفأ، ولم يعط السيد لهذه الفرضية أي أهمية ولم يتعامل معها بصفتها محوراً رئيسياً يستحق النقاش، بينما توقف أمام ما يريده الذين وجهوا الاتهامات للمقاومة بامتلاك منظومة سلاح في مرفأ بيروت، ونفى الاتهامات جملة وتفصيلاً، بحيث بدا أن همه وتركيزه هما على الرأي العام اللبناني كي لا يقع ضحية تضليل وأكاذيب، أكثر من أنه يتعامل بجديّة مع فرضية اليد الإسرائيلية في التفجير، وذلك يبدو عائداً للثقة بما لدى السيد نصرالله، من “إسرائيل” في حال ذعر لدرجة يستحيل أن تقدم على عمل طائش يمنح المقاومة مبرر ضربات تهدّد الأمن الاستراتيجي لكيان الاحتلال.
– بالثقة نفسها بقوة المقاومة، كان السيد نصرالله يتعامل مع الحملات المنظمة والمبرمجة للدعوة لتحقيق دولي، داعياً أصحابها من موقع الحرص على التحقيق إلى التعاون في الالتفاف حول الجيش كمرجعيّة يلتقي اللبنانيون على الثقة بها، أكثر من قلقه من وجود أساس يمنح دعوات التحقيق الدولي ما يدعو للقلق، فالمقاومة أقوى بكثير من عام 2005، وما يحلم به البعض من تكرار لسيناريو التحقيق الدولي، والوضع الإقليمي والوضع الدولي مختلفان كلياً لصالح المقاومة وحلفائها، وبالتالي لا قلق من أن يجد المتربصون فرصاً جدية لمشاريعهم، التي ستبقى سراباً يلاحقونه، ليحصدوا الخيبة كما حصدوها سابقاً، ولكن هذه المرة استباقاً.
– اللافت في حديث السيد نصرالله منح الصفة الإيجابيّة لزيارة الرئيس الفرنسي، ولكل الانفتاح الدولي على لبنان، والذي يتبدّى بإشارات لم تعُد محصورة بالرئيس الفرنسي، فالرئيس الأميركي ليل أمس، أبلغ الرئيس ميشال عون استعداده للمشاركة في مؤتمر بالفيديو سيدعو له الرئيس الفرنسي للمساهمة في إعمار لبنان، ودول الخليج التي قاطعت الحكومة والعهد ترفع الحظر وترسل الطائرات وتقرّر فتح الباب أمام المساعدات، والسيد ينظر لكل ذلك بعين اعتباره فرصة أمام لبنان من دون أن يساوره القلق من أثمان سياسية ستطلب مقابل الاستعداد لتقديم المساعدة. وهذا ليس مجرد منح فرصة للنيات الحسنة، فلدى المقاومة من الخبرة الإقليمية والدولية، ومن المعرفة بدرجة قوتها، ونقاط ضعف أعدائها، ومن المعلومات حول الرسائل المتبادلة بين محور المقاومة، والمحور الذي تقوده واشنطن، ما يتيح للمقاومة وللسيد نصرالله خصوصاً، معرفة أي لحظة سياسية يكون الانفتاح فيها مشروع تطويق وضغط وابتزاز، وأي لحظة سياسية يكون فيها اعترافاً للمقاومة بالحجم والدور وسعياً للتشبيك معها.
– كلام السيد نصرالله أمس، وضع نقاطاً جديدة على حروف موازين القوة، وطمأن بيئة المقاومة إلى حجم شعور مقاومتهم بالقوة والثقة، في مرحلة تحمل الكثير من الأسئلة حول المخاطر.
2020-08-08 | عدد القراءات 3485