عندما يقال إن المسؤول الحقيقي عن الجريمة الموصوفة التي تسببت بكارثة تفجّر مرفأ بيروت وما نتج عنها، هو النظام الطائفي الذي حول الموظف العام إلى مصدر للإهمال والتسيب والتكسب مستنداً الى الحماية السياسية والطائفية، يخشى أن يتحوّل هذا الكلام رغم صحته الى دعوة ضمنية لتجهيل المسؤوليات وتعليق المحاسبة وتسخيف التحقيق.
الحاجة للتحقيق والمحاسبة أكبر من مجرد كشف المتسببين والحصول على رواية موثوقة لحقيقة ما جرى وإقامة العدالة. فالتحقيق له مهمة أخرى أشد أهمية وهي إسقاط نظرية الحماية التي يقوم عليها النظام الطائفي وتعممها المحاصصة. فعبر المحاسبة وإنزال أشد العقوبات بحق المرتكبين إلى أي فئة انتموا ومهما بلغت مراتبهم هو الطريق لإفهام كل موظف عام بأن الحماية التي توهم أنها ستحجب عنه المساءلة ليست إلا سراباً، وأنه يلقى الحساب والعقاب جراء ما ارتكب، وهذا سيكون درساً عميقاً لكل الموظفين العامين.
اللبنانيون بفعل الكارثة أمام قوة دفع معنوية لا يجب هدرها بل توظيفها لصالح فكرة بناء الدولة. والدولة ليست مجرد هياكل يثبت اليوم أنها فارغة، بفعل التجويف المنظم طائفياً وسياسياً الذي ترتب على نظام المحاصصة والحماية، وفرصة استعادة الزخم لفكرة الدولة تأتي من المحاسبة التي تثبت لمن دفعوا الأثمان الغالية بفعل الكارثة أن هناك دولة لن تضيع حقوقهم بوجودها، وتثبت لمنظومة المحاصصة خطورة ما تسببه للبلد والمواطنين، وتثبت للموهومين بمنظومة الحماية أنه عند الكارثة سيدفع المرتكبون ثمن أفعالهم ولن يحميهم الذين وعدوهم بأنهم فوق المحاسبة وفوق القانون.
2020-08-10 | عدد القراءات 3366