ناصر قنديل
- يعرف القادة الأمنيون حجم الخطورة التي يعيشونها وهم يمسكون بكرة النار
المتدحرجة بين أديهم ، رغم إدراكهم بأن لا أحد من القيادات السياسية قد إتخذ قرارا
بتفجير الوضع الأمني ، ويقينهم بما تبذله القوى الأشد تنظيما وقدرة على المستوى
العسكري والأمني التي تمثلها المقاومة ، لمساعدة القوى العسكرية والأمنية الرسمية
على الإمساك بالوضع ومنع إنفلاته من تحت السيطرة ، لكن مصدر الخطورة هو ما
يسميها الأمنيون بحال السيولة ، والمقصود بذلك تراجع قدرة القيادات على السيطرة
على الشوارع المختلفة ، في ظل الضغوط الإجتماعية وافقتصادية ، والتشنج السياسي
والشحن الإعلامي ، وغياب سقف سياسي جامع تمثله عادة حكومات الوحدة الوطنية
التي تحقق توازن التمصيل الطائفي والسياسي بما يزيل أي شعور بالغبن ، طائفيا
وحزبيا ويؤمن نوعا من السكينة ، هذا بالإضافة لعاملين جديدين وعامل قديم جديد ،
فمن جهة هناك شوارع جديدة ولدت ما بعد حراك الشارع قبل عام ، وبعضها على
صلة بالخارج ، ومن جهة هناك صراع إقليمي دولي حاد يشكل لبنان أحد ساحاته
الرئيسية ، لألف سبب وسبب ، وبالتوازي ما يمثله التطرف والتعصب المذهبي
والفرص التي يتيحها لحركة التنظيمات الإرهابية .
- الشعور بالقلق وتقدير الخطورة ، يزداد عندما نشهد إلى جانب السيولة الأمنية ، ظاهرة
ثانية مقلقة ، يعرفها الأمنيون ويعرفون معناها ، وهي حجارة الدومينو ، والمقصود بها
، حرائق متنقلة ، لا يكاد يخمد أحدها حتى يشتعل الآخر ، بحيث يصعب ملاحقة
تداعيات الحريق الأول وإجتثاث جذوره ، فيما هناك حريق آخر يستدعي الملاحقة
الفورية والمعالجة السريعة ، وبالتوازي يغيب عند الرأي العام ما رافق كا حريق من
مشاعر وإنطباعات لتتراكم مع المشاعر والإنطباعات الناجمة عن الحريق التالي ،
وهي مشاعر وإنطباعات يتشرك الحريق والإعلام معا في رسمها ، وفي ظل وجود
تعدد الشوارع وتعدد القراءات والروايات الإعلامية للحريق نفسه ، تتراكم طبقات من
الوعي المتعاكس في الشوارع ، وتجعلها جاهزة للتصادم ، ويصير التلاعب بها أشد
سهولة ، وما جرى منذ تفجير المرفأ من تصعيد إعلامي ، وما رافقه وتلاه من أحداث
أمنية ، خصوصا حادث الكورة ، وبعده حادث خلدة ، يقول أن لبنان يرقص على
الصفيح الساخن ويستعد لدخول مرحلة الحرائق المشتعلة .
- الظاهرتان الخطيرتان لا يمكن حدوثهما بالصدفة ، فهما نوع من أنواع الحرب الذكية ،
او الحرب الناعمة ، تلجأ إليه الدول عند بلوغها مرحلة العجز عن الحروب المباشرة ،
أو عندما تسعى لتفادي هذه الحروب المباشرة لإعتبارات مختلفة ، وبالمقابل يصعب
مواجهة قرار حرب بهذا الحجم بمقدرات أجهزة أمنية متواضعة الإمكانات بالمقارنة مع
ما تملكه دول إقليمية كبرى ومخابرات الدول الكبرى ، ولذلك يصرخ الأمنيون طلبا
للنجدة من السياسيين قبل أن ينفلت الحبل على الغارب ، ويدخل لبنان مرحلة الخروج
عن السيطرة أمنيا ، والمهمة الملحة سياسيا هي بناء سقف جامع للبيت اللبناني
المتصدع ، وتأجيل القضايا الخلافية ، ليس لمعالجة وضع إقتصادي يستدعي تضافر
كل الجهود ، وحسب ، بل لمنع السقوط الكبير في الإنفجارات الأمنية المتدحرجة ، التي
سرعان ما تتحول إلى حريق كبير ، في بلد أثبت بجدارة انه يجيد تكرار التجارب
الفاشلة وعدم الإتعاظ من الخبرات المتراكمة ، واهمها أن التخلي عن تقدير المخاطر ،
وإقفال الطرق أمام الحوار السياسي ، وإدارة الضهر لحكومات الوحدة الوطنية ، هي
وصفات سريعة لبلوغ نقطة اللاعودة نحو الحرب الأهلية .
2020-08-28 | عدد القراءات 3430