التمدد "الإسرائيلي" جنوبا بعد الفشل الشمالي نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
من التسطيح ربط التطبيع الخليجي "الإسرائيلي" بتوقيته ، المتسثمر في الانتخابات الرئاسية الأميركية أو بمساعدته لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في مواجهة أزماته الداخلية ، فالحاجات التكتيكية تحكمت بالتوقيت ، لكن المشروع إستراتيجي وأبعد بكثير من مجرد لعبة سياسية أو إنتخابية ، ولكن من الضعف التحليلي الإعتقاد أن هذا التطبيع هو تعبير عن قدرة صعود تنافسي تاريخي أو جغرافي أو إستراتيجي لكيان الاحتلال ، فهو يشبه سياسة بناء جدار الفصل العنصري حول الضفة الغربية والقدس إيذانا بفشل مشروع الكسر والعصر ، أي الإخضاع بالقوة أو الإحتواء بمشاريع التفاوض ، وكيان الاحتلال العاجز عن خوض حرب الشمال التي كانت العمود الفقري لإستراتيجيته للقرن الواحد والعشرين ، والعاجز عن تسوية تنهي القضية الفلسطينية برضا ومشاركة أصحاب القضية ، وقد كانت العمود الفقري لإستراتيجيته في القرن العشرين ، يدخل برعاية أميركية مباشرة المشروع الثالث البديل .
المشروع الجديد ، يقتضي تبديل وجهة الدورين الأميركي والعربي في صراع البقاء الذي يخوضه كيان الاحتلال ، بعد قرابة قرن على إنطلاقه وإعتقاد القيمين عليه ورعاته قبل ثلاثة عقود أنه يستعد لمرحلة "إسرائيل العظمى " بديلا من "إسرائيل الكبرى" ، أي الهمينة الاقتصادية والأمنية بدلا من السيطرة العسكرية والتوسع الجغرافي ، لكن صعود مشروع المقاومة وإنجازاته ، ونتائج دخول اللاعب الإيراني على معادلات الصراع ، أحدثا ثقبا اسودا في معادلات الخطة الأميركية الإسرائيلية ، بحيث باتت التسوية والحرب مستحيل ينتج مستحيلا ، فسقط مبرر دور الراعي التفاوضي الذي كان يتولاه الأميركي لجذب الجزء الكبر من الشارع العربي خارج خيار المواجهة ، ويسقط مبرر بقاء عرب أميركا تحت سقف تسوية يقبلها الفلسطينيون لتجميد إنضمامهم إلى خيار المقاومة ، لأن كيان الاحتلال بات عاجزا عن البقاء دون حماية أميركية لصيقة ، تترجمها صفقة القرن التي يعرف أصحابها أنها لن تجد شريكا فلسطينيا لتكون صفقة قابلة للحياة ، لكنها تقدم الإطار القانوني لحماية أميركية لعمليات الضم والتهويد الضرورية لأمن الكيان ، وكيان الاحتلال بات عاجزا عن العيش دون موارد يجب أن توفرها دورة إقتصادية يكون هو محورها وترتبط بالإمساك بمقدرات الخليج .
يطوي كيان الاحتلال ومن خلفه السياسات الأميركية رهانات السيطرة على الشمال العربي الذي تمثله سورية ومعها لبنان ، وصولا لتأثيراتهما على العراق والأردن والأراضي المحتلة عام 67 من فلسطين التاريخية ، فيدخل سياساته نحوها في مرحلة إدارة من نوع جديد ، مقابل تفرغ الكيان لتجميد جبهات الشمال وتحصينها ، ولو إقتضى الأمر تعزيز الحضور الدولي على الحدود والإقرار بترسيم يناقض تطلعاته التوسعية التاريخية ، وإدارة التخريب الأمني والإقتصادي والإجتماعي في كيانات الشمال دون بلوغ الإستفزاز حد إشعال الحرب ، فتكون الحرب الإستخبارية السرية هي البديل ، ويتوجه الكيان نحو الجنوب وجنوب الجنوب ، لتظهير العلاقات القائمة أصلا وشرعنتها ، سعيا لحلف إقتصادي أمني يتيح الوصول إلى مياه الخليج كنقاط متقدمة بوجه إيران ، و يمسك بثروات النفط ويحقق التمدد التجاري كوسيط بين ضفاف المتوسط ومال الخليج وأسواقه .
تتولى واشنطن رعاية منطقة وسيطة بين كيان الاحتلال والخليج ، تضم مصر والأردن ويسعون لضم العراق إليها ، تحت عنوان الشام الجديد ، بعناوين أمنية إقتصادية ، بهدف عزل تاثيرات مصادر القوة التي تمثلها سورية ولبنان عن الجبهة الجنوبية ، بينما توضع الخطط لتخريب الأمن والإقتصاد وتفتيت الداخل الاجتماعي في كل من سورية ولبنان ، لتحقيق فوارق زمنية كبيرة في مستويات الأدوار التي تلعبها بالمقارنة مع الإقتصادات الناتجة عن الحلف الخليجي الإسرائيلي ، والتي يجب أن ترث أدوار تاريخية لكل من سورية ولبنان ، وسخافة بعض اللبنانيين وأحقادهم وعقدهم لا تجعلهم ينتبهون أو يعترفون ، بأن مرفا حيفا يستعد لوراثة مرفأ بيروت ، وأن هذه الوراثة مستحيلة دون تدمير مرفأ بيروت ، وأن الحروب الإستخبارية تشترط عدم ترك الأدلة ، وأن الإنهاك المالي الذي أصاب لبنان ونظامه المصرفي بتشجيع ورعاية من المؤسسات المالية الدولية والغربية ، كانت خطة منهجية ستتوج لاحقا بتصدر المصارف الإسرائيلية لنظام خدمات جديد يراد له أن يدير أموال النفط والغاز في مصر والأردن والخليج ، والتجارة نحو الخليج ومعه العراق إذا امكن .
دائما كان إضعاف سورية وإنهاك لبنان شرطان للتمدد الإسرائيلي ، ولمن تخونه الذاكرة ، نمت دبي والمنامة ، كمنظومة خدمات ومصارف وأسواق ومرافئ على أنقاض دور بيروت التي شغلتها الحروب ودمرتها في السبعينيات والثمانينيات ، وما كانت تلك إلا أدوارا بالوكالة كحضانات تستضيف الشركات العالمية الكبرى ، آن الأوان ليستردها الأصيل "الإسرائيلي" اليوم لحيفا وتل ابيب ، لكن المشكلة تبقى أن حيفا وتل ابيب مطوقتنان بصواريخ المقاومة من الشمال في حدود لبنان ، والجنوب في حدود غزة ، وهذا هو التحدي الذي يسميه الإستراتيجيون الإسرائيليون برعب الشمال والجنوب معا، وهو رعب يتجدد ويتوسع ويتوحد ، ويتجذر مع مسارات التطبيع القديمة الجديدة ، وبالتوازي رعب شمال وجنوب لممالك وإمارات التطبيع يمثله اليمن حيث الصواريخ والطائرات المسيرة وفقا لنموذج آرامكو تهدد أمن مدن الزجاج التي يسعى الإسرائيلي إلى التسيد عليها .
سقوط الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي معا بتخليهما عن القضية التي بررت نشوءهما ، وهي قضية فلسطين والقدس ، لا يعني سقوط التكامل بين ، جبهات لبنان وغزة واليمن ، وعند الحاجة سورية وعند الوقت المناسب العراق ، وعند الكلمة الفاصلة إيران .