المبادرة الفرنسية باب للحل ام للحرب ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
تم تسويق تدريجي لمقولة الوصول للحضيض المالي والإقتصادي كمدخل لتسويق ما يليها من مطالبات بات لها صدى شعبي بضرورة تلبية مطالب أي مسعى إنقاذي مهما كانت ، حتى لو كان بعضها في السابق سببا كافيا للتمترس وراءه ، وجرى تصوير كل مطلب سياسي بصفته عرقلة ، وكل دعوة لمراعاة التوازنات بصفتها تخريبا ، وسبق ذلك جهد مبرمج لشيطنة كل سياسة ، لتفرغ الساحة أمام سياسة واحدة ، هي السياسة التي تزعم أنها غير سياسية ، لأنها تلبس ثوب كيس المال ، الذي يحتاجه اللبنانيون بعدما جرى الضغط الأقصى على لبنان لتجفيف موارده ، سواء عبر تغطية فساد مستديم ، أو عبر ترك الدين العام يتضخم ويكبر ليصير سببا للإسترهان وفرض الشروط ، فما هو السياق الذي تفتحه المبادرة الفرنسية التي جاءت بثوب الإنقاذ ولاقت ترحيبا من الجميع ، خصوصا بعد تأكيد تمسك الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون بإستبعاد قضايا الخلاف والتركيز على الإصلاحات الإقتصادية ، والتعبير عن تجاوزه للحظر الأميركي على المقاومة ؟
عشية تبلور صورة حكومة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الذي ولدت تسميته في كنف المبادرة الفرنسية ، تبدو الصورة سوداوية ، حيث نشأ عن الحركة الأميركية تعديلا في التوجه الفرنسي ، أو تظهيرا لنوايا فرنسية مبيتة منسقة ، لكن في الحصيلة طرح على السطح بدلا من تأجيل قضايا الخلاف ، مشروع ينتقي من القضايا الخلافية المتصلة بالإصلاح السياسي عنوان المداورة ويريد تطبيقه جزئيا في تشكيل الحكومة ، ومعه السعي لحسم أمر توازنات التوقيع السياسي الطائفي على المراسيم ، الذي تم التعامل معه خلال الحكومات السابقة بمنطق تجاوز الخلاف وتأجيل الحسم ، إنطلاقا من أن للمداورة معايير تطال الرئاسات إذا طالت المناصب السيادية غير المذكورة في الدستور ضمن التوزيعات الطائفية ، وتبدأ بوظائف الفئة الأولى التي نصت المادة 95 على عدم تخصيصها بطائفة ، ومن ضمنها حاكم مصرف لبنان ورئيس مجلس الإنماء والإعمار وقائد الجيش ومديرية قوى الأمن الداخلي والأمن العام وسواها ، بحيث جاءت مفاجأة الإصرار على حسم الأمر من ضمن تشكيل الحكومة ، مع دعوات لإطلاق يد الرئيس المكلف بصورة تعيد التذكير بصلاحيات رئيس الجمهورية وفقا لصيغة 43 ، حيث يمارس السلطة رئيس الجمهورية يعاونه وزراء يختارهم ، لتظهر محاولة فرض صيغة تمنح هذه الصفات لرئيس الحكومة في نظام طائفي هش ، سفترض تغييره تمرير الحكومة بأقل التشنجات الطائفية ، وصولا للحوار الوطني حول عقد سياسي جديد ، يأمل الكثيرون أن يكون الدولة المدنية من باب قانون إنتخاب جديد خارج القيد الطائفي .
المشهد الثاني الذي يرتسم عشية تبلور التشكيلة الحكومية ، هو مع الإصرار على التلاعب بالتوازنات الطائفية ، بدلا من التمهيد لتجاوزها وتخطيها ، الإستعداد لعزل كتلتين نيابيتين كبيرتين عن المشهد الحكومي ، تقع المقاومة في قلب تكوينهما ، ومعهما حلفاء ، ينتمون لخيار المقاومة ، فتصير المبادرة الفرنسية بالحصيلة الواقعية مشروعا شبيها بمرحلة حكم الرئيس أمين الجميل ، سواء لجهة الهوية الطائفية للجهات التي تم إحراجها لإخراجها ، أو لجهة هويتها السياسية المقاومة ، وهذه مخاطرة تستدرج نحوها المبادرة الفرنسية أو تذهب المبادرة إليها عمدا ، ما يضع الأسئلة الكبرى حول ما هو أبعد من الحكومة والوعود المالية التي تبدو مربوطة بشروط سياسية تنفذها حكومة موضبة سلفا والشروط تبدأ من ترسيم الحدود ولا يعرف أحد أين تنتهي ، والتاريخ يقول أن مثل هذه المخاطرة لا تفتح إلا ابواب جهنم على لبنان ، سواء كان ذلك عاجلا أو آجلا ، فواحدة من النتائج تبشر بمشروع حرب أهلية ، وثانية تبشر بفرضية حرب إقليمية ، وكأن المطلوب إستدراج 6 شباط ثانية أو حرب تموز 2006 أخرى ؟
هل يستدرك رئيس الجمهورية المخاطرة لخلاف الخطاب الذي ظهر في كلام رئيس التيار الوطني الحر لجهة التخفف من حمولة الحلفاء ، ويرفض توقيع مراسيم حكومة تفجر البلد او تمهد لتفجير أكبر من البلد ، فيأخذ وقته في دراسة التشكيلة الحكومية ويفتح باب التعديل ، أم يستدرك ماكرون مبادرته ويستعيدها إلى نصها الأصلي ، أم أننا دخلنا في طريق اللاعودة من الخيارات القاتلة ؟