ناصر قنديل
– مضت مهلة الأسبوعين المتفق عليها من ضمن المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة إصلاحية، من دون أن يضرب مسمار واحد في ورشة هذه الحكومة، فقد كان الرئيس المكلف يعدّ الأيام وفقاً للوصفة التي وضعها نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي تحوّل الى حزب شمولي حاكم، يسمي منفرداً الرئيس المكلف ويمارس عليه الوصاية في تأليف الحكومة، ويقول لكل الآخرين من رئاسة الجمهورية الى الكتل النيابية كشركاء حكميين في تشكيل الحكومات، إما أن ترضخوا لهذه المشيئة الملكية الناشئة أو تتحملوا مسؤولية الفراغ، لأن لا رئيس حكومة سيسمّى ولا حكومة ستولد إلا وفقاً لهذه الشروط، وإلا تعرضت للطعن بميثاقيتها بحرمانها من تغطية الأغلبية السياسية في صفوف طائفتها، وكان الهدف هو أن يمضي الأسبوعان اللذان وضعهما الرئيس الفرنسي لولادة الحكومة الجديدة، من دون فعل أي شيء سوى إسقاط الأسماء المنتمية للحزب الحكام الشمولي الجديد، برئيسه سعد الحريري وأمينه العام فؤاد السنيورة ومشاركة نائب الرئيس نجيب ميقاتي وحفظ ماء وجه أمين السر تمام سلام.
– لم تجر رياح التأليف كما تشتهي سفن الحزب الجديد، فرئيسه لم يطرح معادلته حول المداورة كشرط تأسيسي لكل حكومة جديدة في لقاءات قصر الصنوبر بحضور الرئيس الفرنسي، والمبادرة الفرنسية لم تتضمن اي إشارة لهذه المداورة، ومعلوم أنها كانت تتضمن الانتخابات النيابية المبكرة ولم يقم أحد من رافضي الانتخابات المبكرة بالتغاضي عن الأمر لأنه لا يريد مواجهة مع الراعي الفرنسي، والذي حصل يعرفه الجميع وهو أن المقترح تمّ رفضه وتمّت الاستجابة لهذا الرفض من الرئيس الفرنسي واتفق على تأجيل كل البنود السياسية لما بعد تشكيل الحكومة، وكانت الاستجابة تأكيداً لمصداقية الرئيس الفرنسي ومبادرته، وكان سيحدث اعلان موقف واضح لو عرضت المداورة وشمولها لوزارة المال فقط لو كلف الرئيس الحريري نفسه عناء قول ما كتبه في تغريدته أمس، بالصورة التي جعل منها ألفباء بناء الدولة. وكان الحريري وامانويل ماكرون سيسمعان دعوة صريحة لتطبيق المادة 95 التي لا تنص على عدم تخصيص وزارة لطائفة كما فعلت في دعوتها الصريحة لعدم تخصيص وظيفة لطائفة، وبقيت الوزارات والرئاسات مستثناة من نص صريح بعدم التخصيص كإجازة لعرف التخصيص، ضمن مفهوم النص الذي يتحدث صراحة عن حكومة التمثيل العادل للطوائف، وهو جوهر ما يقوم عليه مطلب التوقيع الثالث، حيث العدالة بين الطوائف الثلاث الكبرى تستدعي توقيعاً موازياً على القرارات لتوقيعي رئيسي الجمهورية والحكومة الممثلين لمكونين طائفيين رئيسيين يوازي كل منهما موقع المكون الطائفي الذي يطالب بحق التوقيع الثالث الذي تضمنه وزارة المال. وكانت حصيلة النقاش ستضمن إما تفاهماً على المبادرة أو عدم الوقوع في فخاخ كالتي نشأت عن السياسات السرية للحريري.
–ظهر كل شيء من السر إلى العلن وظهرت طموحات الحزب الجديد بالتحوّل الى حزب شمولي حاكم وتوهم مكتبه السياسي الرباعي بأن موازين القوى التي صنعتها مخاوف الانهيار من جهة والخشية من العقوبات من جهة مقابلة، ستتيحان انتزاع الحكم الشمولي للبلد بلون طائفي سياسي أحادي يتزين بديكورات من سائر الطوائف يشارك الفرنسيون في اختيار صنفهم المسيحي، ويحتكر الحزب الحاكم الشمولي الصنف المسلم. وظهر عجز وقصور حسابات هذا المكتب السياسي الذي يعوزه الاحتراف وتنقصه الصدقية، وتعرض البلد لمأزق. فالفرنسي أوضح للجميع أن مبادرته محايدة تجاه طرح المداورة، التي يتبناها الحزب الجديد. وبدأ مبادرة لتقريب وجهات النظر حول المشهد الحكومي وفقاً لمبادرته، وقطع في الليلة الأولى خطوة عنوانها الموافقة على طلب ثنائي حركة أمل وحزب الله بحق المكوّن الذي يمثلانه بالتوقيع الثالث. وشغل محركاته لتعويض ما مضى وإنجاز المهمة التي منحت خمسة عشر يوماً تم إهدارها عمداً واستهتاراً بالآخرين، في غضون ثلاثة أيام لحسم آلية تسمية وزير المالية، بين الثنائي والحزب الجديد، وحسم سائر البنود الحكومية، إذا ذللت عقدة تسمية وزير المال، بحيث صار واضحاً أن المبادرة بدأت العدّ من اليوم لمهلتها الفعلية للنجاح.
2020-09-18 | عدد القراءات 3432