لبنان والمنطقة والعالم وفرضية الفراغ الرئاسي الأميركي ! نقاط على الحروف ناصر قنديل
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
في ظل خطاب سياسي متشنج طائفيا ومتموضع على خطوط التماس الإقليمية والدولية ، يدخل لبنان مرحلة الإنتظار بدون حكومة ، وتبقى المبادرة الفرنسية على الطاولة محاولة البحث عن اوكسجين تدرك أن حجبه عنها كان من صمامات واشنطن ، وأن إعادة ضخه تتم من هناك ، لأن نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي تناغم مع العقوبات الأميركية ورمى المبادرة الفرنسية بحجر المداورة ، لن يتراجع دون إشارة أميركية معاكسة لاتبدو في الأفق ، في ظل إستقطاب أميركي أوروبي متصاعد حول الموقف من العقوبات الأممية على إيران ، والتهديد الأميركي المعلن لكل من لا يلتزم بالعقوبات ، بالتعرض للعقوبات ، مقابل قلق أوروبي عام وفرنسي خاص من تعميم الفوضى بغياب أرضية سياسية صلبة للتعامل مع تحديات المتوسط ، في ظل لامبالاة أميركية بالمخاطر التي تهدد مصالح أوروبا وأمنها ، بنتيجة الفراغ الإستراتيجي ، الناتج عن اللاحرب واللاسلم ، ومواصلة التصعيد السياسي .
لا شيئ يقول أن هناك آفاق قريبة لتغير الصورة ، والكثير من المراقبين في المنطقة وأوروبا يدعون للتأقلم مع مواصلة الفراغ رغم مخاطره المتسارعة ، لأن لا شيئ سيتغير قبل الإنتخابات الرئاسية الأميركية ، ويتركز البحث في باريس وبيروت ، وسواهما من العواصم على كيفية إدارة تخفض الخسائر في مرحلة الإنتظار لشهرين على الأقل ، حيث يتحدث الكثيرون عن أرجحية تفاهم أميركي إيراني يوفر مناخا جديدا في المنطقة ، يشكل مظلة تسويات متعددة الإتجاهات ، أهمها فرص إنتعاش جديدة للمبادرة الفرنسية بنسخة متجددة ، ويعتقد هؤلاء أنه مهما كانت نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية ، فإن الفائز أمامه خيار حتمي هو الذهاب للتفاهم مع إيران ، لأن التصعيد التفاوضي لا أفق أمامه في تغيير موقف إيران ولا إضعاف مصادر قوتها ، ولأن التوظيف الإنتخابي للخطاب التصعيدي سيكون قد إنتهى ، لكن هذا التحليل الإفتراضي رغم سيطرته على التقديرات المتداولة لا يأخذ بالإعتبار عاملين كبيرين ، يمثلهما مستجدان لم يحضرا إلى المشهد عبثا ، هما من جهة التطور النوعي في العلاقات الصينية الأميركية الذي بلغ وزير الخارجية الأميركية بوصفه بالتحول الإستراتيجي الخطير ، ومن جهة مقابلة التطبيع الخليجي "الإسرائيلي" الذي وصفته كل مستويات القيادة في إيران ، بالتحول الإستراتيجي الخطير .
بعض التحليلات الواردة من واشنطن ، والمعززة بتقارير ومعلومات موثوقة تقول أن الإستحقاق الرئاسي الأميركي القادم ، لن يمر بيسر وسلاسة ، وأن الإنقسام الإجتماعي والعرقي الذي يشق صفوف المجتمع الأميركي ، يخيم بظلاله على الإستحقاق الرئاسي ، المحاط بمزاج عنصري أبيض يقف خلف الرئيس دونالد ترامب ، وبالمقابل فقدان الحزب الديمقراطي دعم الطبقة الوسطى البيضاء ، وربما تحوله إلى حزب للأميركيين السود ، في ظل ميليشيات بيضاء مسلحة تهدد بالحرب الأهلية وتمرد ولايات في حال فشل ترامب ، يقابلها تسلح ميليشيات من السود يدعمها الديمقراطيون تهدد بالمثل في حال فوزه ، وفي ظل بطالة تتحول الى جائحة تطال أربعين مليون أميركي يتحولون إلى وقود لهذه الميليشيات ، وصعوبة إنجاز إنتخابات مجمع عليها في ظل التعقيدات التي يفرضها وباء كورونا ، بحيث يتوقع أن تفوق الطعون قدرة أي محاكم محلية وصولا للمحكمة الدستورية العليا ، التي تواجه تحديات نقص في قوامها ومحاولات من ترامب للسيطرة عليها ، لكن مع فرضية تتقدم عنوانها الفراغ الرئاسي ، اي أن تنتهي الإنتخابات ويعلن كل فريق مرشحه فائزا ، ومرور موعد نهاية الولاية الأولى لترامب من دون أن تكون النتيجة الحاسمة القابلة لتحقيق الإجماع قد ظهرت ، في ظل تمهيد إعلامي لإستدراج المؤسسة العسكرية إلى الساحة السياسية لملء الفراغ المفترض .
من وحي هذه المقدمات هناك من يدعو للتأقلم مع هذا الفراغ المتوقع لفترة تتجاوز موعد الإستحقاق الرئاسي ، ولعدم التيقن بأن الوضع الدولي لا يزال قادرا على تشكيل مظلة للحروب او لمنعها ، وللتسويات أو اعاقتها ، ومضمون الفرضية يستدعي عدم هدر الوقت بإنتظار لا سقف له ، سيتدهور وضع بلدان كثيرة خلاله نحو المزيد من الأزمات المالية والسياسية والأمنية ، ولبنان في طليعتها .