بدون مقاومة قوية لن يدفع الغرب بنسا نقاط على الحروف ناصر قنديل

ناصر قنديل
- يتعامل الكثير من المتعاطين في الشأن العام من اللبنانيين ، سياسيين وكتاب ، بخفة وسذاجة مع
الإهتمام الدولي بلبنان ومن ضمنه المبادرة الفرنسية ، فبينما يتخيل البعض أنه يأتي مساندة لفريق
سياسي مؤيد لسياسات الغرب والخليج ، أو مساندة لفريق طائفي بحكم العلاقات التاريخية
والإجتماعية والثقافية ، يظن البعض انه يقترب من الواقع بالحديث عن ربط المبادرة الفرنسية
حصرا بالمصالح الإقتصادية والجيوسياسية ، حيث يفتح الغياب باب قدوم المنافسين الإقتصاديين
كحال الصين ، او الجيواستراتجيين كتركيا ، وعلى وجود تأثير متفاوت لكل من هذه العناصر ، فان
التدقيق سيوصلنا الى ان هناك سبب حاسم يغيب عن كل هؤلاء .
- عندما يقول الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون انه ناقش مبادرته مع الرئيس الاميركي وحصل على
موافقته ودعمه ، وعندما تتعثر المبادرة عند نقطة تشكيل الحكومة بفعل ما وصفه الفرنسيون
بالتعطيل الأميركي ، فالقضية تتمحور حول المقاومة ، وعندما تتحرك المبادرات نحو الحلحلة يقول
الفرنسيون ان ذلك لانهم نجحوا بتنشيط الدعم الاميركي لمبادرتهم ، وبين هذه السطور كلها معنى
ان الاميركي ارتضى بالمبادرة الفرنسية لان فرنسا وحدها بحكم موقفها من ايران ورفضها تصنيف
حزب الله على لوائح الإرهاب تستطيع التكلم مع حزب الله وطمأنته الى ان تشكيل حكومة تعزل
القضايا الخلافية لن يتم تحت عنوان استهدافه ، وعندما يصف الفرنسيون العقوبات الاميركية على
حلفاء للمقاومة بأنها تصويب على مبادرتهم ، لأنهم يدركون معنى الربط بالضغط لنيل تنازلات من
المقاومة وتزامنها مع العقوبات لتثبيت رمزية نيل التنازلات بقوة العقوبات ، وافهام حزب الله ذلك ،
بحيث يصير تمسك المقاومة برفض التنازل اكبر من حثيبة وزارية وبعدها الميثاقي ، ليصير
اختزالا لموازين القوى بشمولية المعنى ، قمن يتننازل عن حقبية وزارية ميثاقية تحت الضغط يمكن
انتزاع تنازلات اخرى منه تحت ضغط أشد .
- التراجع الاميركي الذي عبر عنه موقف الرئيس الحريري بتشجيع فرنسي حاز على نسبة كافية من
التغطية الأميركية ، يعيد الموقف الاميركي الى معادلة رسمها ماكرون حول القلق من ان يؤدي
انسداد الافق اما التسويات إلى أخذ لبنان نحو انحلال الدولة ، وخصوصا نظامها المالي المحتضر ،
ومؤسساتها الأمنية والعسكرية التي تنوء تحت اثقال احمالها الكبيرة بمقدرات مالية ورواتب مهددة
بالاضمحلال ، وانحلال الدولة بالعيون الاميركية والفرنسية سيجعل جبهة جنوب لبنان عرضة
للإشتعال وربما الخروج عن السيطرة ، وهذا القلق بالتأكيد ليس قلقا فرنسيا فقط ، بل هو قلق
أميركي قبل أن يكون قلقا فرنسيا ، وثمة من يقول ان اللوبيس اليهودي في فرنسا يدعم مبادرة
ماركون من هذا الباب ، وأن تهديد ماكرون بسحب مبادرته حرك هذا اللوبي نحو واشنطن لتأمين
عودة التغطية الأميركية .
- المبادرة الفرنسية ومندرجاتها ليست مجرد تسوية سياسية لحكومة يرضى بها الجميع ، بل هي
مدخل لتعويم مالي نسبي للدولة يمنع الإنهيار ، ويمنع بالتالي انحلال الدولة ، ومخاطر انتقال التوتر
الى الجبهة الجنوبية ، وهذا هو جوهر المبادرة ، والباقي حاجات لنجاحها ، ولهذا معنى وحيد ،
وهو أن الغرب الذي قادت مؤسساته المالية منذ نهاية التسيعينيات مساعي تأمين التمويل اللازم

للدولة اللبنانية عبر الاستدانة ومراكمة المزيد من الديون ، وهو يدرك حجم المخاطر المترتبة لجهة
تراجع القدرة على سداد هذه الديون ، قد فعل ذلك بحساب سياسي وليس بحساب اقتصادي
،والحساب السياسي بنظر البعض هو توريط لبنان بديون تفوق قدرته على السداد لابتزازه بطلب
تنازلات تطال مصادر قوته التي تمثلها المقاومة ، وبنظر بعض آخر هو حساب سياسي يهدف
للحفاظ على الاستقرار السياسي في لبنان خشية انفلات الوضع من تحت السيطرة خصوصا على
الحدود الجنوبية ، لكنه في الحالين حساب سياسي يشبه الحساب السياسي الذي سيحكم مشاريع
التمويل التي يحكى عنها في ظل حكومة جديدة ، والسعي للحصول على تجاوب المقاومة مع
تشكيلها ، والعمل على تعطيل محاولات توظيف سياق ولادة الحكومة لفرض تنازلات على المقاومة
، بقوة العقوبات ، وهو ما تحقق بفتح نافذة اعادة قطار المبادرة الفرنسية الى السكة وفقا لمواقف
الرئيس الحريري الأخيرة ، بعد نجاح محاولة الحريري وزملائه في نادي رؤساء الحكومات بتهديد
القطار والسكة معا ، وفي الذهاب والإياب والتعطيل والعودة عنه ، عنوان واحد هو المقاومة .
- الغرب والخليج ، في ضائقة مالية ، ولو عاد الأمر لحسابات المصالح المحاسبية ، فليس لديهم بنسا
يدفعونه للبنان ، ومن دون قرار سياسي أميركي كبير لن تصل الى لبنان اموال تنتشله من الهاوية ،
وهذا القرار لا تنتجه الا مخاوف كبرى بحجم القلق الاميركي على اسرائيل ، وهو قلق لا مكان له
الا بمقاومة قوية عسكريا ، متمرسة سياسيا لحد الثيبات بوجه التهويل والتهديد ، بحيث لا يمكن
فرض التنازلات عليها لابالعقوبات ولا بالتلويح بالافلاس ، والطريق الوحيد لضمان هدوئها على
الحدود هو رفع سيف العقوبات عن رقاب حلفائها ورفع سيف الافلاس عن رقبة الدولة ونظامها
المصرفي .
- مشكلة امر الذين لا يقرأون ، وان قرأوا لا يعرفون ، وان عرفوا لا يعترفون .

2020-09-24 | عدد القراءات 17542