دعوات التقسيم الانفعالية غير واقعية كتب ناصر قنديل

- في مناخ الكثير من رواد وسائل التواصل الإجتماعي وبعض المشتغلين بالشأن العام ، حديث
انفعالي عن ثقافتين لبنانيتين وبيئتين مختلفتين ، بما يعني الفوارق بين بيئة المقاومة والبيئة
المناهضة لها ، والأفكار والقيم التي ترتبط بها كل منهما ، كالتناقض بين دعوات الحياد ودعوات
الالتزام بفلسطين ، والتناقض بين دعوات التوجه شرقا وتجذر لبنان في العلاقات مع الغرب ،
وصولا للقول ان الحل الوحيد هو بالطلاق الودي ، تحت شعار لي ديني ولكم دينكم ، سواء بصيغة
تقسيم كامل لدول مختلفة او تقسيم جزئي بصيغة فدرالية ، او بما يرسمه البعض من صور خيالية
لدعوات اللامركزية لمحاكاة هذا النوع من الطلاق ، وليس بحثا عن وظائف تنموية للامركزية .
- لا يهتم هؤلاء في النقاش لما ورد في الدستور حول رفض كل اشكال التقسيم والتجزئة فهم يتحدثون
عن خروج كامل من فكرة الوطن الواحد ، لكن كونهم من غير المنطلقين من خلفيات تخريبية بل
من غضب انفعالي يضيق معه صدرهم بتقبل الاختلاف ، وعدم قدرتهم على الانتباه او الاقتناع بان
بمستطاع اللبنانيين ايجاد مشتركات كافية لجعل البعض من خلافاتهم مصادر قوة لهم ، وتحسين
قدرتهم على ادارة بعضها الآخر .
- لذلك وجبت مناقشة فرضيات التقسيم بلغة الامكانية الواقعية التي لا ينتبه لها اصحاب هذه المواقف
الانفعالية ، والسؤال الأول هو حول فرضية قيام دولتين او اكثر بدلا من لبنان كدولة واحدة ، وهنا
بعيدا عن كون هذا الكلام موضوع سخرية عالميا ، والبعد العالمي اساسي بمفهوم قيام الدول
ونشوئها ، فالعالم يتجه نحو اطر توسع مدى الاتحادات وليس نحو تصغير الكيان السياسية وتكثير
عددها ، ومثال الاتحاد الاوروبي امامنا ، ولبنان كله يعادل واحدة من مدن العالم الكبرى وليس
بحجم ولاية من ولايات الدول المتوسطة الحجم فيكف بالدول الكبيرة المساحة والكثيرة السكان ،
والأهم بعد هذا ان لبنان غير قابل موضوعيا للتقسيم فالطوائف لا تعيش منعزلة جغرافيا ورغم
الحرب وما رافقها من تهجير بقي التداخل السكاني والجغرافي يجعل رسم خرائط دول بين اللبنانيين
استحالة لا تتحق بمليون قتيل ، هذا عن حقيقة يجب ان يدركها هؤلاء الدعاة للتقسيم وهي ان قيمة
مناوئي المقاومة بعيون الخارج الغربي والعربي وتشجيعهم على مواقفهم والاعلان عن الاستعداد
لدعمهم او دعم لبنان من خلالهم نابع من كونهم مع المقاومة في دولة واحدة ، يمكن لهم ان يمتلكوا
من خلاللها تأثيرا على خيارات المقاومة بقوه الشراكة ، وبحال سقوطها لا تبقى لهم أي أهمية
توجب الالتفات اليهم .
- اما فرضية الفدرالية فتنسفها حقيقة انها لن تحقق لاصحابها مرادهم ، ففي الدولة الفردالية سياسة
خارجية موحدة وسياسة دفاعية موحدة ، ومثلها في اللامركزية ، ومواضيع الخلاف اللبنانية هي هنا
وليست في شكل ادارة الشان الخاص بالمناطق ، وستبقى قضايا الخلاف عنوانا للجمع الذي يريد
هؤلاء لاجل التخلص منه الذهاب للفدرالية ، وكذلك في الفدرالية ستبقى ليرة واحدة تجمع اللبنانيين
، ومن يعتقد انه بسبب المقاومة تشن حرب مالية لاضعاف لبنان ماليا وبالتالي تصاب عملته بالاذى
لن يتخلص من تبعات هذه الشراكة عبر الفدرالية .
- قضية العيش في ظل دولة موحدة لتنوع في الجزور الدينية او العرقية ، او لتنوع في الافكار ، ليس
معضلة لبنان وحده ، ففي القرن الواحد والعشرين تعيش اوروبا هلجس التوازنات الديمغرافية

الناتجة عن موجات الهجرة ، وما يرافقها من ازمات سياسية واقتصادية واجتماعية وامنية وتجد ان
قدرها هو بالتفكير بعقلانية بكيفية ضمان وحدة مجتمعاتها بصيغها الجديدة ، ومثلها تعيش اميركا
رغم كل ما تشير اليه الارقام من تقدمها الصناعي والسياسي ، في ظل هاجش استيقاظ العنصرية
كعامل انقسام عامودي يهدد وحدتها .
- تجاوز اللبنانيون مراحل اشد صعوبة من المرحلة الراهنة ، ولا يحتاجون الا للانطلاق من التمسك
بوطنهم المواحد ليتمكنوا من تجاوز هذه المرحلة .

2020-09-24 | عدد القراءات 17322