لا يستطيع أحد من مؤيدي الدولة السورية أو معارضيها ، إنكار حقيقة أن الحل السياسي في العامين الأولين من الأزمة وما تلاها من شهور سبقت معركة القصير في حزيران 2013 كان يمر حكما بوقف الحل العسكري ، والدولة السورية بنت رؤيتها ، للإنصاف ، على هذه المعادلة في تلك المرحلة ، فكانت تقدم كل التسهيلات الممكنة لإنجاح مساعي وقف النار ، وسحب الجيش إلى خارج المدن والشوارع التي تشهد الإشتباكات المسلحة ، حتى صارت خطواتها موضع إنتقاد من مؤيديها أنها تكبد جيشها ومناصريها كلفة إسترداد المواقع التي تكون بيدها قبل الإتفاقات مرتين ، ويشهد على ذلك تقرير اللواء السوداني محمد مصطفى الدابي رئيس فريق المراقبين العرب ، الذي رفضت المجموعة العربية برئاسة وزير خارجية قطر حمد بن جاسم والجامعة العربية بقيادة نبيل العربي ، تقديمه إلى مجلس الأمن ، يوم كان القرار بمواصلة الحرب على سوريا يستدعي السعي لإستصدار تفويض مشابه لتفويض الحرب على ليبيا ، كما يشهد على تقييم الدولة السورية لصلة الحل السياسي بوقف النار ، في تلك المرحلة كلام الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان ، الذي تولى مهمة الوسيط الأممي للحل السياسي في سوريا وقاد مساعي وقف النار في حمص ، وأعلن بعد نهاية مهمته أن الفشل يعود إلى سيطرة الإرهابيين على قرار المجموعات المسلحة ، وتحول القيادة السياسية لهذه المعارضة لمجرد واجهة يختفي وراءها الإرهاب ، وأن الرئيس بشار الأسد كان صادقا وجادا ومتعاونا في السعي لحل سياسي ، لكن قرار دوليا إقليميا كبيرا كان يحول دون فتح الباب لهذا الحل ، حيث كان العداء للرئيس الأسد يتقدم على ما يقال عن رغبة بتجنيب سوريا حمام الدم المفتوح من جهة ، والتحسب لخطر تجذر ونمو الإرهاب من جهة اخرى .
سقطت تلك المرحلة وإنتهت في العام 2013 وبدأ مسار جديد تتبوأ فيه تشكيلات القاعدة صدارة المشهد العسكري ، لكن الحساب الخارجي لتدخل مباشر في سوريا من الأميركيين خصوصا بقي يعيق الإعتراف بالحقيقة التي صارت تبان يوما عن يوم بصورة أشد وضوحا ، وهي أن الجهات المعارضة التي يمكن جلوسها على طاولة مفاوضات لم يتبق لها شيئ من الحضور الميداني ، يبرر جلبها لطاولة تبحث بالحل الأمني إسمه وقف القتال يشكل بوابة للحل السياسي ، بل صار الحل السياسي المطروح منذ التسليم بإستحالة خوض حرب خارجية على سوريا ، يعني إيجاد مقايضة تقبل بموجبها الدولة السورية إدخال مجموعات معارضة في تشكيلة حكومية مقابل تراجع أميركا وحلفائها عن العقوبات ضد سوريا ، وقبولهم العودة لعلاقات طبيعية مع حكومة سورية يقولون أنها موضع قبول ورضا بحصيلة الحل السياسي ، ويكون معيار تحديد هوية المعارضين المشاركين في الحل هو ذات عنوان ومبرر العودة للإنفتاح على الدولة السورية ، الحرب على الإرهاب ، وهو ذات الإرهاب الذي كان قبل سنتين رهانا لإضعاف الدولة السورية وإجبارها على التفاوض حول منصب الرئاسة و على الحقوق السيادية للدولة ، في مناخ الوهم بالقدرة على إدارة المجموعات الإرهابية وإبقائها تحت السيطرة عند حصول ذلك ، وفي كل حال فذلك التنازل السوري لم و لن يحصل ، وها هو الإرهاب صار خارج السيطرة ، حتى صرخ نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بوجه حليفيه التركي والسعودي قائلا ها هي نتائج أوهامكم بإسقاط الرئيس السوري ، و هكذا صار الحل السياسي طريقا ينتهي بالحل العسكري لمواصلة الحرب على الإرهاب بعدما كان يبتدئ بحل عسكري إسمه وقف القتال .
الحل السياسي الأولي لن يكون أكثر من إحتفالية تستند إلى شعبية الدولة السورية وقواتها المسلحة دون أن يضيف إليها المشاركون من موقع المعارضة أي شيئ يذكر شعبيا وعسكريا ، لكن يفترض أن نهاية الحل العسكري ضد الإرهاب أن تجلب فرصة الإنتقال للحل السياسي بمرحلته الثانية المتمثلة بالإنتخابات البرلمانية ، التي ستؤكد الطابع التعددي للدولة السورية ومؤسساتها وتحمل عبر صنادؤق الإقتراع هذا التنوع والتعدد خارج التقسميات التي عرفناها للموالاة والمعارضة .
2014-12-11 | عدد القراءات 2883