كتب المحرّر السياسيّ
انشغل الجميع بقراءة كلام الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون، وتقييم فرص إقلاع المبادرة الفرنسية مجدداً، وقرأت مصادر متابعة توزع المواقف بين الأطراف السياسية، بتلقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لفرصة استئناف المبادرة وتوزيع ماكرون للمسؤوليات عن فشل مبادرته على الجميع من دون بعبدا، ما يتيح القيام بدور الشريك بالنسخة الثانية من المبادرة في حال تبلورها، وتوقعت المصادر تريّث بعبدا بالتشاور مع باريس قبل إطلاق الاستشارات النيابية لتسمية رئيس جديد يكلف بتشكيل الحكومة الجديدة.
بالتوازي مع صمت عين التينة ورفض رئيس مجلس النواب نبيه بري ونواب كتلة التنمية والتحرير التعليق على كلام ماكرون، قالت المصادر إن أوساط رئيس المجلس تدرس فرص نجاح الرئيس الفرنسي بالحصول على التسهيل الأميركي اللازم مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، وامتداد المهلة التي حدّدها ماكرون لفترة الانتخابات، طالما أن تعطيلاً أميركياً قد ساهم بفشل المبادرة وفقاً لكلام ماكرون في توصيفه للعقوبات الأميركية.
الاتجاه الذي رصدته المصادر المتابعة لدى قوى الغالبية هو الانفتاح على نسخة ثانية من المبادرة الفرنسية في حال ظهورها، مع قراءة تباينات في صفوف مكونات الغالبية في مقاربة الملف الحكومي، في ظل تراجع فرضيّات تسمية رئيس مكلف جديد، يفترض أن يولد من توافق بين غالبية نيابية من جهة وغالبية نواب الطائفة السنيّة التي يمثلها نادي رباعي رؤساء الحكومات السابقين، بعد أزمة الثقة بين الثنائي والرباعي، ولذلك رجحت المصادر التساكن مع اللجوء لحكومة الرئيس حسان دياب لتصريف أعمال طويل، في ظل تعقيدات سياسيّة ودستوريّة تحول دون تعويمها.
في نادي الرباعي رصدت المصادر تفاوتاً في المواقف، فالرئيس السابق للحكومة سعد الحريري يعتبر أنه خرج خاسراً بعد كلام ماكرون، فهو خسر سعودياً بسبب مبادرته لتقديم تسوية تطال وزارة المالية، وخسر فرنسياً بسبب تحميله مسؤولية طرح المداورة في حقيبة المال وتعقيد مسار التأليف بسببها، فيما تحدّثت المصادر عن وجود رابح وحيد في نادي الرباعي هو الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي، الذي كان صاحب تسمية مصطفى أديب، وصاحب المبادرة في طرح المداورة في وزارة المال، وهو يتقدّم اليوم كمرشح لرئاسة الحكومة في ظل المبادرة الفرنسية متقدماً نحو ما سبق وطرحته الغالبية النيابية سابقاً على الرئيس الحريري بتشكيل حكومة تكنوسياسية. واستبعدت المصادر نضوج الأمور في هذا الاتجاه رغم بدء حملة تسويق لخيار ميقاتي من إحدى القنوات التلفزيونيّة، وكلام أوساط قريبة من ميقاتي عن أنه لن ينافس الرئيس سعد الحريري إذا كان راغباً بتولي رئاسة الحكومة، لكنه سيطلب دعمه إذا كان عند كلامه برفض تسميته لرئاسة الحكومة. وقالت المصادر إن الظروف الدولية والإقليمية التي أسقطت فرصة حكومة أديب لا تزال قائمة والانتخابات الرئاسية الأميركية تحرق الوقت المقرّر للمبادرة الفرنسية.
الكلام الحاسم سيكون اليوم للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، حيث الوجهة الرئيسيّة التي خاطبتها مبادرة الرئيس ماكرون، سعياً لتسوية تجمع الفريقين المحليين والإقليميين المتقابلين على ربط نزاع على قضايا الخلاف وفتح نافذة التلاقي على الملف الاقتصادي منعاً للانهيار، وحيث الوجهة الرئيسية المقابلة لخطاب الرئيس ماكرون في تقييم فشل المبادرة، وبمثل ما قدّم ماكرون كطرف أول في المبادرة روايته وقراءته ووزّع المسؤوليات عن الفشل، سيقدم السيد نصرالله وفقاً لمصادر واكبت تعامل حزب الله مع المبادرة الفرنسية، قراءته وروايته وتوزيعه للمسؤوليات، حيث التلاعب بالمبادرة من قبل حلفاء باريس المحليين، والخارجيين تسبب بتسميم الأجواء وضرب الثقة، وأداء الفريق الفرنسي الذي كلفه ماكرون بالمتابعة تسبّب بالتشويش على المبادرة وإجهاض إيجابياتها، وتحويلها إلى محاولة تسجيل نقاط لحساب أطراف محليين وخارجيين يتربّصون بالمبادرة. وقالت المصادر إن كلمة افتراء وتجنٍّ وإساءة قالها ماكرون بحق حزب الله ستلقى رداً وتفنيداً، من دون أن يكون الهدف الخروج من التعاون مع المبادرة الفرنسية والانفتاح عليها، بل لوضع النقاط على الحروف قبل إطلاق النسخة الثانية من المبادرة، التي يجب كي تنجح أن تحسن تشخيص نقاط الخلل، وهي حكماً خارج نطاق مسؤولية حزب الله، طالما أن النيران الصديقة من داخل البيت الرئاسي والوزاري الفرنسي والمحيط الصديق اللبناني والحلفاء الخارجيين قد تكفلت بإسقاط المبادرة وإفشالها.
نصرالله يردّ اليوم على ماكرون
وفيما انعدمت الاتصالات السياسية على الصعيد الحكومي، انهمك اللبنانيون بملء فراغ المشهد الداخلي برصد وتحليل المواقف التي أطلقها الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون في مؤتمره الصحافي مساء أمس الأول.
وعشية إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للرد على كلام ماكرون الذي تناول فيه حزب الله والثنائي. علمت “البناء” من مصادر مطلعة أن “كلام ماكرون هو السبب الذي استدعى إطلالة السيد نصرالله، ولو أنه كان سيطلّ خلال الأيام القليلة المقبلة، لكن الهجوم الذي شنّه ماكرون على الحزب وتحميله مسؤوليات عدة ظلماً فرضت الرد”. ولفتت إلى أن “السيد نصرالله سيرد على كل النقاط التي تناولها ماكرون بما خصّ حزب الله شكلاً ومضموناً”، وسيركز على ثلاث نقاط وردت في المؤتمر: الأولى: لغة الإهانات والتهديد ضد الحزب وحلفائه وتخييرهم بين معادلتي الانهيار أو الرضوخ لما يطلبه الخارج، وإن كان تسليم البلد للأميركيين والإسرائيليين والخليجيين.
الثانية: انتقاد دور حزب الله في سورية ولبنان واتهامه باستخدام القوة العسكرية ضد اللبنانيين وهو يعلم أن ذلك غير صحيح ويناقض ما أعلنه في مؤتمرات سابقة ولقاءات شخصيّة بينه وبين مسؤولين في حزب الله في قصر الصنوبر والسفارة الفرنسية والضاحية الجنوبية.
الثالثة: اتهام ماكرون للحزب بتعطيل تأليف الحكومة وهو يعرف المعرقلين الحقيقيين وسمّاهم في مؤتمره الأخير”.
وتوقعت المصادر بأن يكون ردّ السيد “قاسياً وحاسماً وحازماً ضد الهجوم الفرنسي عليه”، وكشفت بأن “السيد سيسمّي لماكرون بالاسم المعطلين والمعرقلين لولادة الحكومة والمنقلبين على المبادرة الفرنسية”، كما كشفت بأن السيد نصرالله سيعلن بأن فرنسا لم تعد وسيطاً نزيهاً وحيادياً حيال الانقسام السياسي في لبنان بل تحوّلت إلى طرف يحرّض اللبنانيين على بعضهم البعض لا سيما التحريض على الطائفة الشيعية وتحميلها مسؤولية التعطيل”.
كما كشفت مصادر “البناء” أنه وفور الإعلان عن إطلالة للسيد نصرالله تلقت دوائر حزب الله اتصالات من قنوات دبلوماسية وسياسية في محاولة لاحتواء وتهدئة الحزب وتخفيف سقف مواقف السيد نصرالله اليوم.
وعلمت “البناء” أيضاً أن الاتصالات بين الفرنسيين وحزب الله توقفت منذ أيام ولم يرصد أي اتصال مؤخراً.
واستبقت قناة “المنار” كلام السيد نصرالله بالردّ على الرئيس الفرنسي خلال مقدّمة نشرتها الإخبارية وتوجهت إلى ماكرون بالقول: “ايُّ دورٍ يبقى لكَ في لبنانَ اِن نسختَ الموقفَ الاميركيَ وتماهيتَ معَ الموقفِ الإسرائيلي وبعضِ العربي، فمِلتَ طَرَفاً”.
وأضافت: “وإن خانتهُ العبارةُ عندما تحدثَ عن فعلِ الخيانة، فإنَ المقاومةَ وأهلَها اصحابُ عهودٍ لا يَنكِثُونَها، وهم جيشٌ بوجهِ الاسرائيلي وسيبقَوْنَ، وسندٌ لسورية وأهلِها بوجهِ التكفيري وهم يُفاخرون، وجهةٌ سياسيةٌ تحترمُ نفسَها وأهلَهَا ووطنَها وتعاهدُه على افشالِ كلِّ مؤامرةٍ يرادُ تسويقُها لمصلحةِ العدوِ بعصا او بجزرة. وليسَ لبنانُ هذا من يُهَدَّدُ بالحرب”.
2020-09-29 | عدد القراءات 3447