السياسة فن صناعة الأمل من واشنطن الى بيروت نقاط على الحروف

ناصر قنديل
- يقول نابليون بونابرت أن مهمة السياسي الناجح هي أن يعرف كيف يبيع الأمل للشعب
، وعبر التاريخ كانت السياسة شيئا مختلفا عن العقيدة ، لكنها عندما تنبثق من عقيدة أو
من الواقعية ومدارس المصلحة تشبه بعضها بصفتها فن صناعة الأمل ، فيتفوق منها
من يكون أشد إقناعا بصدقية قدرته على تحقيق وعوده ، ويشكل هذا السعي للإقناع
محور التنافس السياسي في الإنتخابات ، والحروب الإعلامية والنفسية ، وتشكل
الصدقية عنصرا حاسما فيه ، لكنها ليست العنصر الوحيد ، وإلا بقي الرابح رابحا
والخاسر خاسرا ، وفي مرات كثيرة ينجح عديمو الصدقية بالفوز في مباريات صناعة
الأمل ويخسرها أصحاب المصداقية ، وتدور كل معارك السياسة على سعي لا يتوقف
على صناعة الأمل لجمهور يشكل بيئة القوة لصاحب السياسة ، وتدمير الأمل عند فئة
مقابلة تسمى الخصم أو العدو ، وهذا هو ما يغرف بكي الوعي .
- في واشنطن تدور منافسة رئاسية حامية الوطيس ، تبدو مغايرة عن كل سابقاتها من
مشهد المناظرة التي دارت بين الرئيس دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن ،
وبالمقارنة بين ما قدمه الفريقان ، وما قدمه أسلافهما ، ليست القضية بتدني مستوى
النقاش واللجوء الى البذاءة والشتائم ، كما علقت وسائل الإعلام الأميركية ، بل بفقدان
القدرة على المشاركة في صناعة الأمل ، فعندما نعود للأمس القريب وحملتي كل من
باراك أوباما الديمقراطي ودونالد ترامب الجمهوري ، نجد المشاريع الإنتخابية التي
طغت على مطالعات المرشحين في المناظرات ، ومهدت لكسبهم الفوز في الإنتخابات
، فقد تركزت حملة أوباما على عنواني سحب القوات الأميركية من العراق ولاحقا من
أفغانستان ، وتعديل النظام الضريبي بما يتيح تأمينا صحيا منصفا بحق الفقراء وذوي
الدخل المحدود ، وكانت وعوده مصدر أمل للأميركيين الذين ضاقوا ذرعا من حروب
عبثية ورطتهم بها إدارة الرئيس جورج بوش ، فيما يعاني نصف الأميركيين من فشل
نظام التأمين الصحي الذي لا يحقق الأمان إلى للأغنياء وشرائح من الطبقات الوسطى
، وفي حملة الرئيس ترامب ، كانت صناعة الأمل بالإنتقال من وعد بأميركا العظمى
إلى أميركا العظيمة ، وأميركا أولا ، والتخلي عن دور شرطي العالم ، في ظل بنى
تحتية متهالكة وتراجع في مستوى التعليم وتدهور الصناعة وتخلف الأرياف ، بينما
بدت الحملات الإنتخابية لهذا الموسم الرئاسي خالية من اي مصدر لصناعة الأمل ،

فترامب الذي خان شعاراته الإنتخابية وبايدن الذي لا يملك إلا إنجازات أوباما للتذكير
بها ، تحولا إلى مهاترة شخصية ، في إعلان موت السياسة ، ما يعني فتح الباب
لخيارات قاتمة .
- في فلسطين المحتلة يتقابل كيان الإحتلال مع الشعب الفلسطيني في ظل لاتوزان غير
محدود بالمقدرات ومستويات الدعم الخارجي السياسي والمعنوي والمادي ، لصالح
الكيان ، لكن المعركة تظهر صعودا فلسطينيا مقابل الهبوط الإسرائيلي ، والعامل
الحاسم هو أن الفلسطينيين باتوا مشبعين بالأمل بأن الغد لهم ، منذ إنتصار المقاومة في
لبنان وتاليا في غزة ، وهو أمل ينمو كل يوم ، بينما المستوطنون الذي عاشوا على نمو الأمل ببقائهم
في فلسطين بعد إنتصار جيش الإحتلال في حرب العام 67 ، تأرجحوا على حبال الصعود والهبوط منذ حرب
تشرين عام 73 ، وصولا لبدء العد التنازلي المتواصل للأمل منذ إنتصار المقاومة عام 2000 ، وحيث كل يوم
تزرع فيه المقاومة بقيادتها وحربها النفسية ، مزيدا من الشكوك في نفوس المستوطنين ، تنجح بزرع المزيد من
الأمل في جمهورها وخصوصا في فلسطين بأن الغد لهم ، وقد صارت إصابة الكيان في روحه وتفوقت المقاومة في
روحها ، ولم يعد ينفع في تغيير هذه المعادلة لا أكاذيب بنيامين نتنياهو عن أماكن الصواريخ ، ولا تطبيع الخليج ،
وبات مفعول كل منهما لا يتعدى الليلة التي يطلق فيها ، ما يعني نهاية مهمة السياسة .
- في لبنان ، رغم المحاولات المتعددة والمختلفة المصادر ، يتراجع الأمل بمكافحة الفساد
وبناء دولة القانون ، بعدما نجح التبشير بعهد الرئيس ميشال عون كمدخل للإصلاح
والتغيير ، وجاءت بعده إنتفاضة 17 تشرين وأعادت إحياء أمل بإتجاه آخر ، وتحولت
الفرصتان إلى الشكوى من العجز والضعف بمعزل عن المبررات ، فأخليت الساحة
لتنافس بين وعدين بالأمل ، وعد بالكرامة مشفوع بالإثبات تمثله المقاومة ، ووعد
بالإزدهار المفترض ، شرط التخلي عن المقاومة ، وليس خافيا أن ما يتعرض له لبنان
من تدمير إقتصادي وإفقار ودفع للإفلاس يتم تحت عنوان ترجيح كفة الوعد بالإذهار ،
وهو الوصف الذي أطلقه الدبلوماسي الأميركي السابق جيفيري فيلتمان على الخطة
الأميركية لضرب المقاومة ، وإستجابت لها دعواة الحياد ، كما ليس خافيا أن هذه
المنافسة تدور على منصة المبادرة الفرنسية ايضا ، وهي التي تفسر فشل مهمة
الرئيس المكلف مصطفى أديب ، وهي أرضية السجال الدائر حولها ، من كلام الرئيس
الفرنسي إلى رد الأمين العام لحزب الله والرد على الرد من نادي رباعي رؤساء
الحكومات السابقين ، ما يعني إحتدام السياسة إلى حد الفوضى .

2020-10-01 | عدد القراءات 3379