- طرحت على طاولة النقاش التي أعقبت الإعلان عن إتفاق الإطار الخاص بترسيم الحدود البحرية
للبنان مجموعة من القضايا والنقاط التي تستحق النقاش بمعزل عن أهداف أصحابها ، الذين ينتمي
كثيرون منهم إلى معسكر معروف بعدائه للمقاومة ويريد من خلال التشكيك بشرعية ومشروعية
الفعل ، التشكيك بشرعية ومشروعية المقاومة ومشروعها ، وليس التمسك بما يتهم المقاومة
بالتفريط به ، كالحديث عن خطر تضمين التفاوض ما يندرج في إطار الاعتراف بشرعية كيان
الإحتلال أو التطبيع معه ، أو عزل المقاومة عن القضية الفلسطينية ، أو التورط بسياق ينتهي بمنح
كيان الإحتلال والمتربصين بالمقاومة باستحضار قضية سلاحه من باب طرح شرعيته ومشروعيته
على بساط البحث ، وهؤلاء المنتمين لفئة المتنمرين يتمنون أن يحدث كل ذلك ويفجعهم ألا يحدث ،
فيطرحون ما يطرحون من باب إثارة الغبار المتعمد للتشويش ليس إلا ، إلا أن فئة من الذين لا
يمكن تصنيفهم تحت هذا العنوان تثير ذات العناوين ، من باب التساؤل وربما الحرص وربما القلق
، ما يستحق نقاشا ، جديا للأفكار كأفكار بمعزل عن هوية ومراد أصحابها .
- أولى التساؤلات جاءت حول نص البيان الذي تلاه رئيس مجلس النواب نبيه بري كإعلان عن
التوصل للاتفاق ، وما تضمنه من عبارات "حكومة إسرائيل" وسواها من عبارات لا تتسق مع ثقافة
المقاومة ورفض الإعتراف بكيان الاحتلال ، ورفض كل ما يكرس أو يوحي بتكريس شرعية
إغتصابه لفلسطين المحتلة ، وهنا لا بد من التوضيح ان النص ليس بيانا خاصا بالرئيس بري ، بل
هو بيان تمت صياغته بموافقة الأطراف المعنية ، لبنان وكيان الإحتلال والإدارة الأميركية والأمم
المتحدة ، ولا يشبهه كسابقة إلا تفاهم نيسان عام 1996 ، الذي انبثقت عنه لجنة خماسية تضم الأمم
المتحدة وكل من ممثلي واشنطن وباريس ولبنان وكيان الإحتلال ، بحيث يجلس وفدا لبنان والكيان
كل في غرفة مع مندوبي الأطراف الثلاثة وتدور المفاوضات غير المباشرة بينهما على هذا الأساس
، وستكون اللجنة وصيغة التفاوض نموذجا يحتذى في اللجان العسكرية للتفاوض في لجان الترسيم
، وهذا مغزى الإشارة الخاصة لتفاهم نيسان واللجان المنبثقة عنه من قبل رئيس المجلس ، ومن
يعود لنص تفاهم نيسان سيقرأ " تفهم الولايات المتحدة أن بعد محادثات مع حكومتي إسرائيل ولبنان وبالتشاور مع
سوريا يضمن لبنان وإسرائيل الآتي:
- 1. ألا تنفذ الجماعات المسلحة في لبنان هجمات بصواريخ الكاتيوشا أو بأي نوع من الأسلحة على إسرائيل.
- 2. ألا تطلق إسرائيل والمتعاونون معها النار بأي نوع من الأسلحة على مدنيين أو أهداف مدنية في لبنان.
- 3. إضافة إلى ذلك، يتلزم الطرفان ضمان ألا يكون المدنيين في أي حال من الأحوال هدفاً لهجوم وألا تستخدم المناطق
المأهولة بالمدنيين والمنشآت الصناعية والكهربائية كمناطق لشن هجمات منها
- 4. ومع عدم انتهاك هذا التفاهم فليس هناك في ما يمنع أي طرف من ممارسة حق الدفاع عن النفس.
- إنشاء مجموعة رصد تتألف من الولايات المتحدة، وفرنسا، وسوريا ولبنان وإسرائيل. ستكون مهمتها مراقبة تطبيق التفاهم
المذكور أعلاه. الشكاوى ستقدم إلى مجموعة الرصد"
- بمعزل عن آراء المنتقدين بتفاهم نيسان ، إذا كان لهم إنتقادات ، إلا أن ما نتج عن التفاهم لا يقول
بأن نتيجته هي التطبيع والإعتراف والتفريط بالسلاح ، وقد جاء التفاهم في ظروف لم تكن المقاومة
بالقوة التي تملكها اليوم سياسيا وعسكريا ، ولا كان محور المقاومة الذي يسندها بما هو عليه اليوم ،
ورغم الفوارق ، فيومها تحول التفاهم إلى مصدر لتشريع المقاومة وحماية المدنيين ، كجزء من
عملية تسهيل عمل المقاومين ومنحهم فرصا أفضل لإصطياد جنود الإحتلال والعملاء وصولا إلى
التحرير عام 2000 ، وإذا كان البعض قلقا مما سينجم اليوم ، فعليه القول ان سبب القلق ليس
التعابير التي وردت يومها وترد اليوم في نص تفاهم متعدد الأطراف ، بل أنه قلق من ان تكون
المقاومة قد تغيرت ، وباتت بعدما إشتد ساعدها وزادت قوة ونفوذا ، وصارت مستعدة للسير
بالتطبيع والاعتراف بالعدو وكيانه الغاصب ، وعندها لا يكون اتفاق الترسيم الا المناسبة للتعبير
عن هذا التحول ، ومن لديه هذا القلق مطالب بالمجاهرة بأسباه دون الإختباء وراء عبارات تزخر
بها كل التفاهمات التي تجمع الأعداء في مراحل ظرفية .
- ثاني التساؤلات طال فرضية الاعتراف بكيان الاحتلال على قاعدة أن ترسيم الحدود هو موافقة على
حدود الكيان وتلك مغالطة كبرى ، فالمقاومة تعترف بحدود فلسطين مع لبنان وتعتبر الكيان احتلالا
غير شرعي للتراب الفلسطيني ، والحدود الدولية للبنان كانت عنوان الشرعية الدولية للمقاومة في
مراحل التحرير ، وهذا نابع من تمييز المقاومة كأي مقاومة بين كونها مشروعا وطنيا يسعى
لشرعية وطنية ودولية تكرس مشروعيته ، وبين التزامها دون الزام سائر المكونات اللبنانية بموقفها
من القضية الفلسطينية ، في ظل موقف سياسي وشعبي كان في احسن ايامه مسقوفا بمفهوم السلام
على قاعدة القرارات الدولية ، وفقا للمبادرة العربية للسلام ، بينما المقاومة تؤمن وتلتزم بالنضال
مهما تغيرت الظروف وأشكال النضال بفلسطين من البحر الى النهر ، لكن قدرتها على تحويل هذا
الالتزام الى مشروع وطني لبناني يفوق طاقة المقاومة ، ويرتبط بشروط عربية ودولية غير
متوافرة ، وموقع المقاومة هنا واضح ، لا يلزمها السقف الوطني للدولة والمجتمع بالتخلي عن
فلسطين كل فلسطين ، ولا يلزم موقفها بسقفه المبدئي سواها من اللبنانيين ولا يشكل مشروعا للدولة
اللبنانية ، ونحن نتحدث هنا عن الدولة اللبنانية وليس عن المقاومة في ملف الترسيم ، فالمقاومة
الملتزمة بردع اي عدوان على ثروات لبنان معنية بفتح العين على كل ما يتصل بتحديد هذه
الثروات ومنع التفريط بها ، تفاديا من البعض لخيار المواجهة ، وكما مزارع شبعا عنوان من
عناوين المقاومة تحميه الشرعية القانونية للحدود المرسمة وفقا لخرائط 1923 ، ثمة مزارع شبعا
بحرية تحتاج للترسيم ، دون اي ايحاء بالاعتراف والتطبيع وتشريع كيان الاحتلال ، وهذا ما
يضمنه اتفاق الاطار، مهما كانت نتائج التفاوض لاحقا .
- ثالث التساؤلات يطال مصير سلاح المقاومة ، وما يفتحه التفاوض من فرص لجعله على الطاولة ،
وهنا فلنناقش الفرضيات ، فالتوصل الى اتفاق يرضي لبنان بنيل حقوقه ، سيكتب للمقاومة وقوتها
فرض تحقيق هذا الإنجاز، وسيبقى للمقاومة شرعية سلاحها بحماية لبنان من العدوان ، وان فشل
التفاوض سيكون للمقاومة حق حماية الثروات البحرية من الأطماع الاسرائيلية بمشروعية رسمية
وشعبية ، ويجب لفت النظر الى أن تحقيق الانجاز المجمع على تشخيصه من الحقوق الوطنية
يحتمل الانفراد ، ام التنازل عن بنس واحد من الحقوق فيحتاج للاجماع ، وهذا قانون أكبر من لبنان
، فمن يستطيع التفريط بالحقوق ومن يجرؤ ، وشرعية سلاح المقاومة لم تكن يوما مربوطة بمزارع
شبعا ولا بالثروات البحرية ، بل هي جزء من ضرورات الدفاع الوطني التي تفوق قدرات الجيش
اللبناني ، وفي هذا ربما أيضا ما يعيدنا إلى اهمية ان توضع المقاومة دائما مشروعها الكبير نحو
فلسطين بما يحفظ لها دائما مشروعيتها الوطنية اللبنانية ، التي يؤدي فقدانها الى تعريض المقاومة
لخسائر سياسية ومعنوية ، لا تلبث أن تتحول تفككا في الجبهة التي تحميها سياسيا وشعبيا كخيار
وطني لبناني لحماية الحقوق والدفاع عن الوطن .
- الذين يعتقدون أن الجديد هو قبول المقاومة بعيدون عن وقائع المسار التفاوضي ومضمونه ، خلال
عشر سنوات ، فالجديد هو القبول الأميركي و"الإسرائيلي" بشروط المقاومة ، بعد استنفاد الضغوط
وتحت ضغط عكسي للحاجة الإقتصادية والحاجة السياسية والإعلامية ، وبالمقابل نيل المقاومة
فرصة إثبات موقعها في تحقيق مكاسب وطنية للبنانيين في زمن الحملات التي تستهدفها ، وإظهار
أهميتها كعامل قوة لحماية لبنان وثرواته ، والذين يرون في الأمر رسما لحدود الكيان يتجاهلون ان
الكيان يتمسك برفض ترسيم حدود ، لأنه يراها حيث تصل اقدام جنوده ، أما الذين يفترضون ان
الكيان ق ينصب فخا يتمثل بالاستعداد للانسحاب برا وبحرا من المناطق السيادية اللبنانية لإقفال
ملف الصراع عليهم ان يتذكروا حقيقة الصراع على الجغرافيا ، وان من يملك الأرض يملك
التفوق في جولات الصراع اللاحقة ، الم يكن القرار 1701 محاولة لاقامة سور قانوني أمني
لحماية الكيان اتهمت المقاومة بالتورط بحماية الكيان وحراسة حدوه ، وبيع فلسطين ومعها مبدئية
المقاومة ، وبدا في وقته وفيما كتب من قراءات في القرار وسياقه من الكثيرين من أعداء ومن
خصوم ومن اصدقاء المقاومة ، بصفته اضعافا لها ، وجرى وصف قبول المقاومة به بأنه منح
العدو ومن خلفه الداعمين الدوليين والعرب فرصة مواصلة الضغط على المقاومة لإضعافها
ومحاصرتها ، لكن ماذا كانت حصيلة التجربة ، الم تكن اعترافا اميركيا واسرائيليا بان المقاومة في
ظل اقرار 1701 صارت اشد قوة واقتدارا ، واشد مجاهرة بانتمائها لفلسطين والتزامها بقضيتها ،
وهنا في العلم والفقه والمنطق ، دليل الإمكان هو الوقوع ، فليراجع المشككون والقلقون انفسهم
بقياس التجربة التي وقعت .
- الحقيقة التي يقولها تاريخ الصراع مع كيان الإحتلال على كل الجبهات وعلى مدى العقود الماضية
، أي بتغير الزمان والمكان ، أن مشروع المواجهة الجذرية للكيان ضمن رؤية مبدئية لإقتلاعه
يستمد صدقيته بقدر نجاح كل مكون من مكوناته على كل جبهة من جبهات الصراع مع الكيان
بصفته مشروعا وطنيا لشعبه وبلده ، ونجاحه بالجمع بين التزامه القومي وموقعه الوطني ، وكل
تغليب لكفة من الكفتين على الأخرى دون هذا التوازن هذا الدقيق هي تهديد بضياع القومي الوطني
معا ، فلا مصر مع الرئيس جمال عبد الناصر ولا سورية مع الرئيسين حافظ الأسد وبشار الأسد ،
نجحت بالتمسك بالتزامها بالقضية الفلسطينية ، وبموقعها من الصراع المفتوح مع الكيان الغاصب
لفلسطين الا بمقدار نجاحها بصياغة مقاربتها للصراع تحت سقف وطنيتها المصرية او السورية ،
وفي حالتنا هذه لا نجاح للمقاومة في إثبات صدقيتها نحو فلسطين الا بالنجاح باثبات صدقيتها نحو
اللبنانيين كمشروع وطني لبناني ، والابداع والنجاح هو بمقدار القدرة على هذا الجمع ، ليتذكر
المتسائلون لماذا ربطت المقاومة دائما مشاركتها في الدفاع عن سورية بأسباب وطنية لبنانية تتصل
بحماية لبنان من الإرهاب بينما في عمق الأسباب يدرك الجميع أن منطلقاتها أبعد مدى ، وتربط
برؤيتها لكل عناصر الصراع وتوازناته الإستراتيجية .
2020-10-03 | عدد القراءات 16134