لبعض المتفذلكين على المقاومة في مفهوم الصراع مع العدو
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- من حيث المبدأ لا يستقيم نقد الا مع سلوك وموقع صاحبه ، فمن يريد توجيه الإنتقاد لفريق في
الصراع عليه أن يكون متجاوزا له نحو الأعلى في سياق الموقف والموقع والفعل إذا كان حزبا أو
قوة سياسية ، أو على الأقل منتميا على المستوى الفكري والسياسي الثابت والمستدام لمدرسة ومنهج
أشد جذرية من الفريق المنتقد في النظر لقضايا الصراع إذا كان فردا وصاحب رأي ، وبالتوقف
امام ما قيل وكتب من إنتقادات تناولت الإعلان عن إتفاق الإطار لترسيم الحدود البحرية من قبل
رئيس مجلس النواب نبيه بري ، الذي لم يعد موضع نقاش كونه حاصل تنسيق بالتفاصيل مع قيادة
المقاومة منذ يوم التفاوض الأول مع الأميركيين حتى الخاتمة المتمثلة بالبيان المصاغ بلغة تفاهم
نيسان ، الذي لم يكن أحد يومها مستعدا لرؤية كلمة "حكومة إسرائيل" فيه مصدرا لتساؤل ، لأن
الصادقين رأوا فيه الجوهر الصراعي التراكمي ، في سياق واقعية مقتضيات هذا التراكم ، أما
الآخرين فتجاهلوا الإنتقاد يومها لأنهم كانوا يعتقدون أن المقاومة كلها قائمة أصلا على المبالغة في
تقدير قوتها وما تسميه إنجازاتها ، وسوف لن يطول عمر "أوهامها واحلامها" بالتفوق على
الإحتلال ، من هنا يجب الوضوح بالقول أن كل نقد يوجه للإعلان تحت شعار التشكيك بما يعبر
عنه في سياق الصراع مع العدو ، ولو حصر سهامه برئيس مجلس النواب من باب الكيد السياسي ،
فهو يعلم أنه يستهدف حزب الله والمقاومة تشكيكا بصدقية الموقع من الصراع مع العدو ، فهل يملك
هذا التشكيك قدرا من الصدقية ؟
- ماذا يعني مفهوم الصراع المفتوح مع كيان الإحتلال ، هو السؤال المنهجي الأول الذي يطرحه
النقاش ، فهل هو يعني أن حركة المقاومة والدولة المقاومة في أي بلد عربي مجاور لفلسطين ،
ستسعى لجعل بلدها مجرد منطقة محررة من الإحتلال في حرب تحرير مفتوحة نحو فلسطين ،
على قاعدة أن الأمة واحدة ، سورية أو عربية ، وهل هذا ممكن واقعيا ، أم أن على حركات
المقاومة أن تضع منهجا يقوم على ثنائية ، ربط نضالها وموقفها بسقوف وطنية ، فالدولة السورية
المقاومة تضع سقفها الوطني بتحرير الجولان حتى خط الرابع من حزيران ، كما قال القرار الأممي
242 والقرار 338 ، والمقاومة في لبنان تضع سقفها الوطني بتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة
حتى الحدود الدولية المعترف بها ، وفقا لنص القرار 425 ، وبالتوازي التمسك بالإلتزام بالقضية
الفلسطينية والحقوق التاريخية في كل فلسطين ، ولو فرضت منعرجات الصراع استعمال مفردات
ولغة تتناسب مع موازين القوى الدولية ، كإعلان سورية وقبلها مصر مع الرئيس جمال عبد
الناصر ، السعي للسلام العادل والشامل ، لرمي كرة التعطيل في ملعب العدو ، والرهان على
الزمن لبناء توازنات جديدة تتيح ملف التحرير للأراضي الفلسطينية ، وكما تفعل المقاومة في لبنان
عندما تربط وجود سلاحها بعناوين مثل حماية لبنان من العدوان ، وضمان حق العودة للاجئين
الفلسطينيين ، وهل يعني ذلك تفريطا بالقضايا المصيرية والإستراتيجية في الصراع ؟
- عندما ننطلق من فهم ضبط الأداء الهجومي للمقاومة بالسقوف الوطنية ، وضبط منهجها السياسي
برفض التخلي عن أسباب القوة لأنها جزء من مقتضيات الصراع الذي لم ينته ولن ينتهي بالنسبة
لها ، إلا بتحرير كامل فلسطين وزوال الكيان ، ندرك معنى المسار المتعرج للصراع ، الذي
يعرف مراحل سكون وتصعيد ، ويعرف مراحل هدنة وحروب ، لكن ضمن معادلة الحفاظ على
أسباب القوة ، وخوض الصراع على الوعي في كل تفاصيل الصراع ، ولا يمكن رؤية كل الحملة
التي تستهدف إعلان إتفاق الإطار ، إلا في سياق تعطيل مهمة مراكمة الوعي لصالح ثقافة المقاومة
وخيار المقاومة وجعل المقاومة في حال دفاع ، تحت وابل التشكيك كي لا تتمكن من ترسيخ
خلاصة جوهرية محورها ، ان كيان الإحتلال فقد القدرة على التسيد في المنطقة ، وهو رضخ
مجبرا لشروط لبنان ، القوي بمقاومته ، لأن الكيان لن يستطيع توفير الأمن لإستثمار الغاز في
فلسطين المحتلة ، دون أن يسلم بحقوق لبنان التي كان يرغب بالسطو عليها ، وهذا يعني بمفهوم
معركة الوعي تظهير المقاومة كصدر قوة للدولة الوطنية ، بعد حروب فكرية وسياسية وإعلامية
ممتدة خلال أعوام بشراكة دولية وعربية ولبنانية تريد تظهير المقاومة كعبء على بلدها وسببا
لإستجلاب العقوبات والحصار وفقدان الموارد، وإذ هي تظهر حامية للثروات ومصدرا للحفاظ على
الموارد وتحصيل حقوق كانت ستضيع لولا وجود هذه المقاومة وقوتها ، من دون أن تبيع للعدو
شيئا في السياسة ، أو تفتح بازرا للبيع والشراء ، فالتفاوض غير مباشر وعسكري وتقني وسينتهي
بمحاضر وخرائط اسوة بما جرى في نقاط البر على مراحل متعددة .
- السؤال الذي يجب الإجابة عليه بشجاعة ، بعيدا عن التفذلك ، هل يعيب المقاومة أن يكون معادل
فرض شروطها في التفاهمات المؤقتة ضمن حركة الصراع ، هو التوقيت ، فالذي أجبر العدو على
قبول تفاهم نيسان الذي قيل فيه أنه شرعن المقاومة وصولا لتمكينها من إنجاز التحرير ، هو نفاد
الوقت منه ضمن مدى قدرته على الإحتمال ، ومثل ذلك حدث في حرب تموز 2006 وفرض
شروط المقاومة ضمن القرار 1701 ، فسقطت مشاريع القوات المتعددة الجنسيات ونزع سلاح
المقاومة كشروط لوقف النار ، وها هي المقاومة في ظل القرار 1701 بإعتراف أعدائها اشد قوة
ومصدر خطر وجودي على الكيان ، ومثل ذلك حصل في عام 2000 ، مع نفاد الوقت المتاح
لإعلان إتمام الإنسحاب من لبنان ، فنال لبنان ملايين الأمتار المربعة ، ومثل ذلك يحدث اليوم ، مع
فرض شروط التفاوض غير المباشر والرعاية الأممية لعملية الترسيم ، وما فرض على العدو ومن
خلفه الأميركي القبول هو حاجته للتوقيت ، سواء لجهة الإستثمار الذي يحتاجه فيما يمكن تحصيله
من حقول الغاز ، أو الإستثمار السياسي الذي يحتاجه الأميركي في سياق إنتخاباته الرئاسية ، وفي
كل هذه المحطات هل كانت المقايضة على نصف الشروط بدلا من مقايضة كل الشروط بالتوقيت
هي الأصح والأسلم وفقا لقوانين الصراع حيث التوقيت عابر ، والشروط دائمة ، أم أن الأفضل هو
التخلي عن فرصة تحقيق الشروط لحرمان العدو من كسب التوقيت ، وهل تبني هذه العدمية العبثية
مقاومة وتحقق تراكم وعي وإنجازات في الميدان ؟
- السؤال الذي لا يقل أهمية ، هو أنه في كل هدنة ووقف نار ، من تفاهم نيسان ، وقبله فك الإشتباك
في الجولان ، وبعدهما بعد العام 2000 ، وبعد القرار 1701 ، تبادل مع العدو في الحصول على
مقدار من الأمن التكتيكي ، دون منحه ضمانات للأمن الإستراتيجي الذي يبقى تعزيز مقدرات
المقاومة والتذكير بمعادلاتها الرادعة مصدر تهديد دائم له ضمن التأكيد على الطابع المصيري
والوجودي للصراع ، فهل في هذا المفهوم لنيل الأمن من جانب العدو تكتيكيا ما يعيب المقاومة في
صدقيتها ، وهل في نيل العدو أمنا تكتيكيا لإستثماراته في حقول الغاز ، مقابل التسليم بحقوق لبنان
، التي كان يرغب العدو بالسطو عليها وأجبرته مخاوفه على أمن الإستثمار ، على التسليم بالحقوق
اللبنانية ، وهل ينتقص هذا الأمن التكتيكي الذي يصاحب كل مراحل التفاهمات من جدية مشروع
المقاومة وصدقيته في نهائية مواجهته مع الكيان وسعيه لإزالته عن الخارطة ؟
- المقاومة الصادقة في توجهاتها الإستراتيجية تحتاج لرسم خارطة طريق نجاحها ، إلى عدم الوقوع
تحت إبتزاز تطرفين ، تطرف يقيس صدقيتها القومية بأن تتجاهل أنها حامل موضوعي لأسباب
القوة لهوية وطنية ، وأن تتجاهل قوانين الصراع وقواعد تراكم موازين القوة ، ومن ضمنها مراكمة
الوعي ، وبنظر هؤلاء على المقاومة أن تمتنع عن كل هدنة ، والهدنة أمن للعدو بمثل ما هي أمن
للمقاومة ، فتبقي جبهاتها مشتعلة حتى لو خسرت شعبها من وراها ، وتورطت بمواجهات تفقدها
مصادر قوتها كي تثبت أنها مخلصة لفلسطين ، وتطرف آخر يقيس صدقيتها الوطنية بأن تتجاهل
مسؤوليتها القومية ، وتنسى فلسطين ، وتبني على قواعد المعادلات الوطنية اللبنانية وحدها مصير
حركتها ، فتنتهي مهمتها في الصراع بمجرد تحقيق المصالح الوطنية ، ولو كان الثمن التخلي عن
مسؤوليتها القومية ، فلا مشكلة لدى أصحاب هذا التطرف بالتطبيع والإعتراف بشرعية كيان
الإحتلال إذا كان الثمن مكاسب لبنانية ، والمقاومة لا تنتمي لهذا التطرف ولا لذاك لسبب بسيط ،
لأنها تعي وطنيتها وقوميتها بصفتهما مصدري تكامل لا تنافر .
2020-10-07 | عدد القراءات 17301