- من إستمع للرئيس السابق للحكومة سعد الحريري قبل أيام لاحظ بقوة أن من توقف عن
متابعة الكلام عند نهاية الساعة الأولى إستنتج أن البلد ذاهب لأزمة مفتوحة وأن حجم
التناقضات الحاكمة للعلاقات بين القوى السياسية تفوق فرص الحلول المنتظرة ، ومن
بدأ الإستماع للحريري بعد الساعة الأولى خرج بإستنتاج معاكس ، مضمونه أن الرئيس
الحريري يفتح الباب لتسوية سياسية للخروج من المأزق الحكومي وينهي الفراغ
بحكومة تحظى بالتوافق ، لذلك فإن السؤال الأهم مع بدء الحريري لمشارواته التمهيدية
للإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة ، هو أي من
النصفين من خطابه هو الحاكم للنصف الآخر ، فنصف التصعيد السياسي لم يكن في
الهواء بل رسم شروطا وإطارا لمواقف إذا بقي حاضرا في التشاور حول فرصة
التسوية فالتشاؤم سيد الموقف ، خصوصا أن الفرصة التي لاحت في النصف الثاني من
الكلام تكون منطلقة من سوء تقدير ، عبر عنه الحريري بإفتراض أن إتفاق إطار
ترسيم الحدود جاء من موقع ضعف أصاب المفاوض ومعه المقاومة بنتيجة العقوبات ،
وبذلك يكون الحريري مرشح هذا الفهم الخاطئ للموازين ، على قاعدة ان ما فشل
بإنتزاعه لحكومة مصطفى أديب صار إنتزواع ممكنا لحكومته .
- يمكن للمتفائلين أن يعتبروا أن هناك إشارة خارجية أوحت للرئيس الحريري بالتقدم
بفتح الباب للفرصة الجديدة ، وأن كلامه التصعيدي وحديثه عن دور العقوبات لا
يعبران عن قراءته الفعلية للموازين ، فهو يدرك أن الأميركي الذي رفع شعار لا
تفاوض في ظل السلاح ولا حوار في ظل السلاح ولا حكومة في ظل السلاح ولا حل
في ظل السلاح ، إرتضى أن يكسر القاعدة بنفسه ، رغم تورط الكثيرين بحمل شعاره
تحت ضغط طلبه وتأثيره ، وها هو يقبل دور الوسيط ف يالتفاوض على الترسيم وفق
ما يعلم الرئيس الحريري أنها شروط لبنان ، التي فاتحه الأميركيون برفضها ، ودعوه
ليتولى الملف ويسهل التفاوض مقابل وعود مالية ، ولذلك يعتقد المتفائلون أن الحريري
يحاول إلتقاط فرصة تسوية يعتقد أن التفاوض على الترسيم فتح لها الباب برفع الحظر
عن الحلول في ظل سلاح المقاومة ، يمنحه الإمكانية لفعل المثل ، وهذا هو معنى
الإستعداد لفتح الطريق لتسوية تبدأ من حقيبة المال التي إعتقد الحريري مخطئا أن
بالمستطاع وضع اليد عليها بقوة المبادرة الفرنسية والتهويل بتحميل الثنائي مسؤولية
الإنهيار في ظل معادلة لا حلول في ظل السلاح ، وبات ثابتا أن المعادلة تغيرت مع
بدء التفاوض ، والسلاح حاضر في خلفية التفاوض كمصدر قوة .
- يمكن للمتفائلين ايضا أن يقرأوا في كلام الحريري عن الترشح ، سعيا لمقايضة عنوانها
تفويضه بالملف الإقتصادي كما ورد في الخطة الفرنسية ، بحيث يتم تسهيل إقرارها في
الحكومة الجديدة ، ومناقشة ما يجب مناقشته من الكتل النيابية في المجلس النيابي ،
مقابل التطمين السياسي بنسبة من الشراكة السياسية في الحكومة ، تشكل ضمانة
للفرقاء بعدم الإستثمار السياسي للحكومة لحساب فريق واحد ، وإعتبار المعني بهذا
العرض هو الثنائي أولا ، على قاعدة التسليم بحق هذا الفريق بالقلق من الإستهداف ،
ودعوة الأطراف الأخرى لعدم المطالبة بالمثل على مستوى حجم التمثيل السياسي ، مع
قدر من المرونة في صياغة نقطة وسط تتيح ولادة حكومة ، يفترض أن يغطي وجود
رئيس الجمهورية ومن سيسميهم من الوزراء حاجة فريق رئيسي يمثله التيار الوطني
الحر للتمثيل .
- أي من نصفي الخطاب الحريري يحكم النصف الآخر ، أمر ستكشفه مشاورات اليوم ،
خصوصا لجهة الكشف عن عمق التفكير لدى الحريري في فهم تحول واحد شهده لبنان
يبررعودته لترشيح نفسه ، وهو ترشيح رفضه قبل شهر ، وهو بدء المفاوضات ، فهل
قرأ الحريري في هذا التحول تراجعا في وضع المقاومة فرضته العقوبات الأميركية ،
وفي هذه الحالة سيفشل حكما ، أم أنه يقرأ تراجعا أميركيا عن معادلة لا تفاوض في
ظل السلاح وتعطيله كل فرص التسويات الداخلية بسبب ذلك ، وبعد فشله في فرضها
وإعترافه بالفشل، تتاح الفرص للتقدم لفتح الباب لتسوية ، وفي هذه الحالة يمكنه غذا
أحسن التصرف النجاح ، وسيلقى التعاون والإيجابية .
2020-10-12 | عدد القراءات 15074