عشية الإستشارات عن ميثاقية التكليف والتأليف نقاط على الحروف ناصر قنديل

- تم إستهلاك وإستنفاد كل تفاصيل مفردة المبيثاقية حتى كره الناس السماع بها ، بعدما تم
إفقادها الكثير من المعاني وصارت مجرد ذريعة يتم إستحضارها غب الطلب لتعويض
أي عجز عن مواجهة المعادلات الديمقراطية ، القائمة على جمع الأصوات أولا وأخيرا
، بينما كان الدستور اللبناني محتاطا بتحديد القضايا التي تستدعي تصويتا موصوفا
سواء في مجلس النواب أو مجلس الوزراء ، هو الثلثين في النصاب أو التصويت أو
كليهما ، ليضمن تحقيق نسبة عالية من الشراكة بين المكونين الرئيسيين طائفيا للحياة
السياسية أي المسلمين والمسيحيين ، ونسبة معقولة من تمثيل الفروع في كل من
المكونين .
- في قضبة الحكومة بين تكليف رئيس يشكلها وبين تشكيلتها ، تحضر الميثاقية التي تشير
اليها مقدمة الدستور بالنص الصريح عن ربط شرعية أي حكم بعدم تناقضه مع ميثاق
العيش المشترك ، وتترجمها نص صريح آخر ورد في المادة 95 أشار بفقرة خاصة
الى التمثيل العادل للطوائف في الحكومة ، وتكثر الإجتهادات في طرح نظريات في
التداول عن ميثاقية التكليف وما يجب ان يحصل عليه الرئيس المكلف من اصوات بين
نواب الطوائف ، ونسب أخرى أكثر تشددا في التأليف ، بينما النص واضح ولا إجتهاد
في موقع النص .
- هذا يعني أن الأولوية في غاية الإستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة المكلف هي
إنتظام الحياة السياسية التي تمثل الحكومة قلبها بعد إتفاق الطائف ، وهذا يجعل قضية
الخروج بتسمية رئيس مكلف أولوية ، وليس ترف إخضاع التسمية لمعايير إضافية لأن
لا سلطة تناط بالرئيس المكلف ولا صلاحية توضع بين يديه سوى التقدم لرئيس
الجمهورية للتشارك معا في تشكيل حكومة ستصبح سلطة دستورية حقيقية وفاعلة بعد
صدور مراسيمها ، ليقع على عاتق رئيس الجمهورية الذي يكون حتى تلك اللحظة
الممسك بحق التوقيع الدستوري لتصبح الحكومة سلطة ، وله بل عليه مهمة تفحص
التشكيلة الحكومية ، وليس تسمية الرئيس المكلف ، لجهة مراعاة ما نصت عليه المادة
95 من الدستور كترجمة لمراعاة ميثاق العيش المشترك والتمثيل العادل للطوائف في
الحكومة .

- السؤال عن عدم وجود نصوص تفصيلية لتوضيح مقاصد النص الأصلي هو مبالغة
بطلب مستحيل غير قابل للتوافر ، فالسياق السياسي للحظة التي تعيشها البلاد في كل
مرحلة هو متغير ، يفرض معان تغيب في ظروف أخرى في فهم درجة الحاجة للتمسك
بتفسير متطرف او معتدل لمفهوم تمثيل الطوائف وعدالة هذا التمثيل ، كمثل النص
الآخر في المادة 95 عند الحديث عن إلغاء طائفية الوظيفة مع إضافة تعبير إعتراضي
شرطي هو وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني ، الذي يعتقد البعض انه يحتاج لمزيد من
التوصيف الدقيق ، بينما ترك المشترع في الحالتين تقدير التفسير الضيق أو الواسع او
الأوسع وفقا لتقدير السلطة المنوط بها دستوريا إجراء هذا التقدير سياسيا في اللحظة
السياسية التي تفرض سياقها ، والسلطة الدستورية الإستنسابية لتفحص معايير العدالة
في تمثيل الطوائف في الحكومة تعود هنا لرئيس الجمهورية حصرا ، بينما السلطة
الإستنسابية لمراعاة مقتضيات الوفاق الوطني في تخطي طائفية الوظيفة تعود لمجلس
الوزراء ، واللحظة السياسية الشديدة التوتر طائفيا تفرض حذرا عاليا في ممارسة
السلطة الإستنسابية ، بينما اللحظات العارمة في مناخات التسامح الوطني تفرض
ممارسة شكلية للسلطة الإستنسابية لصالح تغليب الأهم ، وهو وجود حكومة تتصدى لما
يريده اللبنانيون كمواطنين هنا ، وتخطي طائفية الوظيفة في الحالة الأخرى مما نصت
عليه المادة 95 .
- ثمة ميثاقية من نوع آخر في التداول هي الميثاقية التي تشكل منتجا سياسيا جديدا ،
وهي تفرض نفسها بقوة التوازن والتناظر من موقع صناعة الإطمئنان الطائفي في
مناخات التوتر والإحتقان الطائفيين ، ولها عنوانان راهنان ، الأول هو أن يتقدم الأوسع
تمثيلا في طائفة رئيس الحكومة كمرشح أكثر تلبية لمقتضيات الإطمئنان الطائفي ، في
ظل وجود نظير لهذا المفهوم في موقعين موازيين لرئاسة الحكومة هما رئاسة
الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ، والثاني هو أن رئيس الحكومة الذي لا يوازي
مكانته الدستورية الوزراء ولا رؤساء الكتل النيابية ، معني بالمقابل أن يطبق معيارا
واحدا على الكتل النيابية بما فيها شخصه وكتلته وتمثيلهما لأغلبية طائفتهما من جهة
ومن جهة مقابلة على الكتل الأخرى الأوسع تمثيلا لطوائفها بالتساوي والتعادل ، وبمثل
ما أن رئيس الجمهورية معني بتقبل المعادلة الأولى فهو معني بمراقبة تقيد الرئيس
الحكومة بالمعادلة الثانية .

2020-10-20 | عدد القراءات 17105