- لم يكن الذين إمتنعوا عن تسمية الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري بوارد
خوض معركة إسقاطه ، لأن أحدا لم يضع في المقابل إسما مرشحا منافسا ،
وظهرت الدعوات لعدم التسمية ذات معنى عند الذين لديهم شروط تفاوضية
تعقب التكليف ، ارداوا عبر عدم التسمية إيصال رسالة ربط نزاع كما
أوضحت تصريحاتهم ، وفي الطليعة التيار الوطني الحر ، الذي ربط موقفه
النهائي بمفاوضات التأليف ومعاييرها ، بينما لم يكن خافيا أن إمتناع حزب
الله عن التسمية تثقيلا لموقف التيار الوطني الحر وتأكيدا على دعوته
للحريري لفتح حوار حول الحكومة مع التيار ، بدا أن طريقه مقفل قبل
التكليف ، بينما الذين ربطوا عدم التسمية بموقف معارض فلم يستطيعوا بلورة
مرشح منافس يلتقون حوله بعكس ما حملت الإستشارات السابقة .
- المعركة السياسية حول التكليف كانت حول الأرقام ، وظهر بنتيجتها أن
القوات اللبنانية تقف وحيدة خارج سياق الحكومة المقبلة ، بينما الممتنعون
الآخرون يلتزمون بالسعي للشراكة على الأقل من الوجهة التفاوضية الهادفة
لفتح طريق هذه الشراكة ، مع إستثناء الموقف المبدئية لبعض النواب الذي
أرادوا تسجيل موقف إعتراضي لا يريدون له ولا يملكون بدائل سياسية
راهنة ، ولو أن مواقفهم التي كان عنوانها معاناة الناس وعذاباتها بقيت بعيدة
عن محاكاة هذه المعاناة بتقديم حلول وبدائل مباشرة ، فيما الوقت بنفد والبلد
يسقط الى الحضيض بلا أمن إجتماعي أو غذائي أو صحي ، ويصير خطر
الموت جوعا وبلا دواء فيه خطرا يهدد أوسع فئات اللبنانيين ، حيث من حق
الناس أن يتوقعوا أكثر من مجرد تسجيل المواقف .
- أظهرت الإستشارات النيابية تفكك حلفين متقابلين ، هما الغالبية النيابية التي
تشكل الإستشارات النيابية لتسمية رئيس مكلف بتشكيل حكومة ، أبرز
مستوريات حضورها ، فظهرت الغالبية منقسمة على ذاتها ، بين الخيارات
التكتيكية ، منح التسمية ومواصلة التفاوض بعدها أو حجب التسمية وتعزيز
الموقع التفاوضي ، وبالمقابل ظهرت قوى 14 آذار وقد تفككت بصورة تجعل
لم شملها بعيد المنال ، بينما ربما تملك الغالبية حظوظ إسترداد وحدتها في
حال نجاح مفاوضات التأليف ، حيث ظهر الطرف الجامع بين مكوناتها وهو
حزب الله في موقع بيضة القبان ،الذي شغله تقليديا الحزب التقدمي الإشتراكي
، فوقوف الحزب مع التيار الوطني الحر خارج التسمية سيجعل للتفاوض
سقفا إيجابيا نحو تذليل العقد خصوصا في ظل إستحالة ولادة الحكومة دون
توقيع رئيس الجمهورية ، بينما ظهرت قوى الثامن من آذار بتكوينها الأصلي
قبل تحالفها مع التيار الوطني الحر وقد إستعادت حضورها ووحدتها ، إذا
إعتبرنا موقف حزب الله على ضفة عدم التسمية عملا سياسيا بإمتياز ضمن
إطار تقاسم الأدوار بين حزب الله وحركة أمل .
- القراءة البعيدة عن البروباغندا الإعلامية الرائجة لمفاوضات الترسيم ، تنطلق
من إعتبار التسليم الأميركي بالتفاوض في ظل السلاح هو الحدث ، بعد
إستنفاد كل أدوات الحرب والضغط لتحييد وتقييد السلاح ، والتفاوض الذي
يقوده الجيش وفقا لخرائط ووثائق يعرفها الأميركيون عن قرب ، يفتح باب
التوقعات بتسارع التفاوض وبلوغ نقطة ترسيم تحقق للبنان تثبيت منطقته
الإقتصاددية ويدء إستثمارها مع تقديرات واعدة بالكميات والأرقام والعائدات
، ووفقا لهذه القراءة نحن أمام إنتصار إضافي تحققه المقاومة بقوة سلاحها
وصمودها ، وعلى خلفية هذا التسليم الأميركي بشراكة السلاح في التفاوض
ووقوفه في خلفية نتائجه ، فتح الباب لفرصة الرئيس الحريري بالعودة لرئاسة
الحكومة وضخ أموال تحرك عجلة المال والإقتصاد ، وتحرره من عقدة
النظرية القائلة بلا حل ولا تفاوض في ظل السلاح ، وهذا هو مغزى إلتزام
الحريري بالسعي لتفاهم مع ثنائي حركة أمل وحزب الله دون القلق من فيتو
خارجي .
- أمام الرئيس الحريري بعد فوزه برقم يتجاوز ما توقعه المقربون منه ، رغم
إعتتقاد الكثيرين بتواضع الرقم ، فرصة للإستثمار على نتائج الإستشارات ،
وقراءة معنى أنه نال ما يعادل أغلبية جديدة في المجلس النيابي ، وهي
مرشحة لتخطي الثلثين ، إذا نجح في مفاوضات التأليف بصورة سلسلة بعيدا
عن تصفية الحسابات من جهة ، وإذا نجح بفتح صفحة جديدة في العلاقة مع
القوى التي شارك بتهميشها في ظل التسوية الرئاسية من جهة موازية ، لجعل
الحكومة الجديدة كحكومة إختصاصيين ، قادرة على التعبير عن أوسع إئتلاف
نيابي وسياسي وشعبي ، تضع أولوية هي الأمن الإجتماعي والإفراج عن
الودائع ، وترشيد الدعم على الغذاء والدواء ، دون الوقوع في أفخاخ شعارات
ترضي بعض الإبتزاز الشعبوي في الداخل أو الإبتزاز المالي في الخارج ،
تحت عناوين يشك اللبنانيون بصدق النوايا وقدرة السياسات على تحقيقها
كعناوين الإصلاح ومكافحة الفساد ، وباتوا يعتبرونها مجرد شعارات
للإستهلاك .
2020-10-22 | عدد القراءات 135964