ناصر قنديل
- سينصرف البعض لتركيز الضوء على جانبين من كلام رئيس التيار الوطني الحر
النائب جبران باسيل ، في مرافعته ضد قضية العقوبات الأميركية التي صدرت بحقه ،
فالبعض سوف ينصرف لعنوان الإتهام الأميركي لباسيل بالفساد ، متجاهلا أن باسيل
فتح تحديا للإدارات الأميركية المعنية بتقديم أي واقعة تفصيلية خارج الكلام الإنشائي
لإثبات تهم الفساد ، وعرض للمفاوضات الرسمية التي خاضها معه المسؤولون
الأميركيون لتفادي العقوبات ومحاورها لا علاقة لها من قريب أو بعيد بملفات الفساد ،
والبعض الآخر سيريد تركيز الضوء على حديث باسيل عن عناصر تباين مع حزب الله
والتمايزعنه خصوصا في مفهوم الصراع مع كيان الإحتلال ، والموقف العقائدي من
وجود الكيان ، علما أن هذه المواقف ليست جديدة ولا علاقة لها بزمن العقوبات ، وهي
تنتمي لثقافة لبنانية عامة يتسثنى منها فريق المقاومة وحده ، بقواه العقائدية الرافضة
للإعتراف بكيان الإحتلال ، وما عداها لا يتخطى سقفه العدائي للكيان ، ما يسميه
الدفاع عن الحقوق اللبنانية ، وإلتزام المبادرة العربية للسلام ، وهذه مواقف رافقت
تجربة المقاومة منذ انطلاقتها ، ومطالبتها لكل اللبنانيين دعم خيارها لتحرير الأرض
والدفاع عن الحقوق دون اشتراط مشاركتها النظرة العقائدية للكيان ، وكان هذا الأساس
لولادة تفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر ولا يزال .
- في كلام باسيل ما يستحق الإضاءة أكثر بكثير من هاتين القضيتين ، وفي طليعة ما هو
مثير للإهتمام ، أننا للمرة الأولى في قضية عقوبات أميركية بالفساد ، في بلد متعطش
للإصلاح ، وهي تطال زعيما لفريق وازن في المجتمع اللبناني ، من البيئة المسيحية
التي لم تحمل السلاح لا مع جيش الإحتلال ولا ضده ، يكشف المستهدف فيها وهو هنا
النائب باسيل ، عن مضمون المفاوضات التي أدارها معه مسؤولون أميركيون ، من
مستوى وزير الخارجية إلى مستوى السفارة الأميركية في بيروت ، وهذا المضمون
فضيحة مدوية بذاته ، حيث لا ملفات خاصة بالفساد وضعت على طاولة التفاوض طلبا
لتوضيحها او تصحيحها ، بل عقوبات بتهمة الفساد بلا ملفات ، وجاهزة للصدور دون
تردد مقابل عروض مقايضة سياسية واضحة لا تقبل التأويل ، أن تقف مع السياسة
الأميركية المعادية لمصالح لبنان ، وفي شؤون لا تتصل بمصالح أميركية مباشرة ، بل
بالمصالح الإسرائيلية ، من فك العلاقة بحزب الله الى قبول توطين اللاجئين الفلسطينيين
والتراجع عن الدعوة لعودة النازحين السوريين وتخفيض السقف التفاوضي في ترسيم
الحدود ، وفي هذه الحالة ستفتح لك جنات النعيم الأميركي المادي والمعنوي ، أو أن
ترفض ، وفي هذه الحالة فستكون مصالحك المادية وسمعتك المعنوية عرضة
للإستهداف بلا رحمة تحت عنوان الفساد ، بمعزل عن صحة وصدقية هذه التهمة .
- الرسالة التي حملها الأميركيون لباسيل هي رسالة كاشفة فاضحة ، ليست محصورة به
، ولا يجب النظر إليها من بوابة شخصنتها بالمعني بها مباشرة ، فهي رسالة السياسة
الأميركية تجاه لبنان والقيادات السياسية اللبنانية ، فما يطال أبرز سياسي مسيحي في
لبنان يطال بصورة أقوى كل ما عداه من الزعماء المسيحيين ، وما يطال الزعيم
المسيحي يطال كل الزعماء المسلمين بصورة أشد ، وهذا يعني أن الجميع في لبنان
معني بقراءة الرسالة ، أميركا لا يهمها الفساد ولا الإصلاح في لبنان إلا من زاوية
تركيب ملفات لمن لا يلتزم بسياساتها الهادفة لتثبيت أولوية المصالح الإسرائيلية ،
والتي تهدد لبنان وجوديا ، ومن يدعو لإسترضاء أميركا بإعتبارها المنقذ والمخلص
عليه أن يعلن جهارا نهارا أن لا مانع لديه بالتوطين والتخلي عن الثروات اللبنانية
والحقوق السيادية ، وأنه مستعد لقبول ما رفضه باسيل ، ومن حق اللبنانيين أن يسألوا
الذين تستثنيهم العقوبات هل قبلوا بما رفضه باسيل ؟
- الذين يقولون بعدم صحة ما يقوله باسيل عن الأسباب الموجبة سواء بخلو المفاوضات
التي أجراها الأميركيون معه أو لقرار العقوبات من أي ملقات تتعلق بالفساد ، أو
بعروض المقايضة ، أن ينتبهوا الى ان القضية على درجة عالية من الأهمية ما يستحق
ردودا أميركية معاكسة ، وباسيل رفع سقف التحدي ، وعدم صدور جواب أميركي
بحجم التحدي يسقط منطقهم ، والذين يقولون بصحة كلام باسيل لكنهم يدعون تحت
شعار الواقعية الى التأقلم مع أن هذه هي أميركا وعلينا أن نقبلها كما هي ولا غنى لنا
عنها ، أن ينتبهوا الى ان ما يريده الأميركيون واضح ولا مجال للمواربة فيه ،
وجوهره حل قضية اللجوء الفلسطيني بالتوطين ، ولو أدى لتهجير المسيحيين ، وقبول
الشروط الإسرائيلية لترسيم الحدود ، ولو أدى لضياع أبرز ثروة لبنانية واعدة ،
والتخلي عن أبرز مصدر قوة للبنان يمكن أن تخلق توازنا تفاوضيا يحمي مصلحة لبنان
في هذهين الملفين ، وهي قوة المقاومة وسلاحها ، ولهذا تم التركيز على فك التحالف
معها ، ولهؤلاء نقول أن لا مشكلة عندنا بأن يقبلوا بالشروط الأميركية ، شرط أن
يمتلكوا شجاعة إعلان ذلك ، ولا يلتحفوا بكلمات مموهة مثل دعوات الحياد ، وقرار
الحرب والسلم ، وسواها .
- من حق أي لبناني أن يختلف مع النائب باسيل في الكثير من المواقف ، لكن الواجب
الوطني والأخلاقي يقتضي الإعتراف بشجاعته ووطنيته وصلابة موقفه ، والتضامن
المعلن معه هو أقل الواجب بوجه هذا الإستهداف الفضائحي للسياسات الأميركية
وسقوطها الأخلاقي والقانوني ، مقابل الموقف الوطني المشرف لباسيل ، وإدراك أن
حملة الشيطنة التي تركزت عليه تحت شعار "الهيلا هيلا هو " لم تكن إلا بعض
الصدى للحركة الأميركية للمقايضة .
2020-11-09 | عدد القراءات 18123