ترامب والخيارات الخارجية الضيقة نقاط على الحروف ناصر قنديل

- ينحرف بعض النقاش حول الخيارات المتاحة أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب على
الصعيد الخارجي نحو فرضيات تنطلق من تقديرات لشخصية ترامب وتهوره ومحاولته
تعقيد المشهد والسعي لقلب الطاولة بوجه منافسه الفائز جو بايدن ، إما لقطع مسار
تسليم الرئاسة أو لفرض وقائع تعقد مهمة بادين ، ويتجاهل أصحاب الفرضيات أن
ترامب فعل خلال ولايته بظريقة إنتخابية أقصى ما يمكن فعله ، وأن هزيمته الإنتخابية
في جزء كبير منها هي نتاج فشل هذه الخيارات ، فالخروج من التفاهم النووي مع
ايران ، وصفقة القرن ونقل السفارة الى القدس وتبني ضم الجولان واغتيال القائدين
قاسم سليماني وابو مهدي المهندس ، وصولا للتطبيع الخليجي الإسرائيلي ، يحكمها
سقفان ، الأول محاولة فرض معادلات جديدة في المنطقة ، والثاني تعزيز فرص
ترامب إنتخابيا ، وقد فشل ترامب في المهمتين ، لأن معيار النجاح والفشل هو النتائج ،
فلا تحولات أصابت ميزان القوى التفاوضي مع ايران وقوى المقاومة برغم كل
الخطوات المتهورة لترامب ، ولا نتائج الإنتخابات قالت ان ما كسبه من أصوات بسبب
هذه الخطوات التصعيدية واملتهورة كان كافيا لكسب الإنتخابات .
- السؤال المحوري هو هل أن ترامب ما بعد الإنتخابات زاتد قوة أمن زاد ضعفا ،
والجواب لا يحتاج لكثير من العناء ولا للكثير من الوقائع ، فترامب الذي كان رئيسا
قويا قبل شهور تهرب من خيار المواجهة عندما كانت أفعاله تستدرج ردود أفعال تضع
الأمور في دائرة التصعيد ، ، فكيف وقد صار بطة عرجاء بعد الإنتخابات ، وترامب
الذي كانت عيناه تتجه نحو الخارج قبل سنتين مضطر للإنصراف عن هذا الخارج نحو
الداخل منذ تفشي وباء كورونا ، ونحو التعامل مع هزيمته في الإنتخابات منذ نهايتها ،
ومهما كان حجم المكابرة التي يدعيها ترامب وفريقه ، فهو يتصرف امام وقائع تتراكم
لتقول انه مجبر على مغادرة البيت الأبيض بعد اسابيع ، وأن حجم قدرته على الممانعة
تتراجع ، وبالتوازي فإن الرهان على مغامرة عسكرية تعقد المشهد وتصرف الإنتباه
عن الداخل نحو الخارج مجددا وتخلق وقائع تقلب الطاولة وتدفع المشهد الرئاسي
الأميركي إلى الخلف من جهة ، وتتيح فرض مسارات مختلفة في المنطقة من جهة
أخرى ، ليس خيارا تكتيكيا يمكن لترامب إعتماده فهو قرار حرب بكل ما تعنيه الكلمة ،

وتداعياته فوق طاقة ترامب وربما أميركا وحلفائها معها ، وهذا ما منع وضعه فوق
الطاولة قبل الإنتخابات .
- يستيطع البعض إعتبار إقالة وزير الدفاع الأميركي من قبل ترامب تمهيدا لمغامرة
عسكرية يرفضها وزيره ، ويستطيع البعض الاخر إعتبار تعيين وزير جديد للدفاع
مدخلا لسحب القوات من المنطقة للتمهيد لضربة عسكرية موجعة لإيران وحلفائها ،
لكن هؤلاء وأولئك لا يجيبون عن سؤال ، ماذا عن الرد على المغامرة العسكرية ،
وبالمباشر ماذا عن الأهداف الأميركية الواقعة في مرمى الصواريخ الإيرانية ، من
الأساطيل والقواعد في الخليج الى ما بعد الخليج وما بعد ما بعد الخليج حتى ثلاثة ىلاف
كيلومتر ، وماذا عن المصالح النفطية الحيوية لحلفاء واشنطن ، وماذا عن كيان
الإحتلال ، ماذا عن ديمونا وماذا عن المنشآت الحيوية الإقتصادية والعسكرية في
الكيان ، وماذا عن الجليل ؟
- المأزق الأميركي في المنطقة سابق لعهد ترامب وباق بعده ، والمعادلات تتراكم ضد
حسابات التصعيد الأميركي ، ومحاولة العودة الى ما قبل التفاهم النووي مع ايران
وخيار تحسين شروط التفاوض ياء بالفشل رغم كل مافعله ترامب ، وكل محاولة لقلب
الطاولة ستقلبها على رؤوس حلفاء أميركا الذين سيدفعون الثمن الأكبر ، وأميركا نفسها
لن تكون بمنأى عن النتائج والتداعيات ، وحتى بايدن محكوم بالمعادلة التي وصلت
اليها ادارة الرئيس السابق باراك أوباما التي كان بايدن جزءا منها ، وزادت تعقيدا مع
ولاية ترامب لصالح تأكيد ذات الإستنتاج ، وهو ان المصلحة الأميركية تتمثل
بالإنخراط بتفاهمات تضع حدا لحرب الإستنزاف المفتوحة ، ولرهانات القوة والضغط
، وأن على الحليفين اللذين اراد ترامب محاكاة مصالحهما على حساب المصلحة
الأميركية وهما كيان الإحتلال وحكومات الخليج أن يضغطا على ترامب لإستبعاد
العبث لأنهما سيدفعان النسبة الأكبر من خسائر أي عبث قادم ، وأن يستعدا للتأقلم مع
معادلات جديدة في المنطقة ، كان التفاهم النووي مع إيران نقطة الإرتكاز فيها ، ولم
يعد ممكنا التهرب منها .

2020-11-16 | عدد القراءات 3126