شربل نحاس وحكاية النوايا الحسنة نقاط على الحروف

ناصر قنديل
- تحتل نظرية التحذير من الوقوع قس فخ النوايا الحسنة من قبل الخبراء النقديين الذين
يفترضون حلا للأزمة التي تعصف بلبنان منذ عقدين على الأقل ، موقعا محوريا في
مقاربة حزب "مواطنون ومواطنات في دولة" ، و أمينه العام الوزير السابق شربل
نحاس ، الذي تميز مع حزبه في تقديم مقاربة هي الأعمق لفهم الأزمة المالية
والإقتصادية ، وربط الأزمة بالبنية السياسية لنظام المحاصصة الطائفية ، والدعوة
لدولة مدنية كأساس وقاعدة للخروج من الأزمة ، وبقي نحاس وفريقه يمثلون أكثر
مجموعات انتفاضة 17 تشرين جدية ووضوحا واستقلالية ، فهم المجموعة الوحيدة
التي قدمت وثيقة لتشريح الأزمة وتوصيقفها وتقديم الحلول والرؤى ، وهم المجموعة
الوحيدة التي لا تحوم حولها شبهات الإرتباط بمشاريع خارجية ، وهم المجموعة الأكثر
وضوحا في ربط الأزمة الإقتصادية بالسياسة ، وعدم تحويلها بابا للعن السياسة
وشيطنتها بدافع الشعبوية في إحلال الشتيمة مكان العلم ، بل لإقتحام السياسة والدخول
من بابها العريض ، والتجرؤ على مقاربة القضية المحورية التي تمثلها المقاومة
وسلاحها في الحياة السياسية بخلفية البحث عن موقف وطني يحاول تخيل حلول على
مستوى الدولة تنطلق من اعتبار المقاومة مشروعا وطنيا ، والسعي لتصور الفصل
الإفتراضي بينه وبيين التمايز عن حزب الله الإقليمي ، بينما توزعت مجموعات
الإنتفاضة ، بين مقاربات ساذجة تقوم على إعتبار المقاومة موضوعا خلافيا يجب
تحييده ، ومقاربات تخديمية لطلبات الممولين والمشغلين الخارجيين بإقحام المقاومة
كعنوان وظيفي تستعمل الإنتفاضة لتخديم مشروع المواجهة مع المقاومة .
- في الكتاب الذي اصدره شربل نحاس والمجموعة التي يعمل معها ، تشريح إقتصادي
ونقدي لنمو الأزمة ، ومحاولة تلمس لآفاق حلول ، والأهم هو الوضوح في رسم خط
فاصل بين التعبير الذي مثلته انتفاضة 17 تشرين ، وحركة 14 آذار ، التي بقيت بنظر
الكثير من الخارج والداخل الراعي لما بعد 17 تشرين الروح التي تتحرك من خلالها
محاولات توصيف وتوظيف الحراك الشعبي لتوجهيه كأداة تخديمية لمشروع غستهداف
للمقاومة يرفض نحاس ومجموعته الإنضواء تحته ، بذات قوة رفضهما الإنضواء تحت
لواء قوى 8 آذار التي تتمسك بالمقاومة وسلاحها ، لكنها شكلت جزءا من الأزمة
الإقتصادية والسياسية ولم تستطع التحرر من إرث شراكتها في صناعة الأزمة لتكون

شريكا في صناعة الحل ، وفي الحوارات التلفزيونية البعيدة عن بعض الإرتجال الذي
قدم نحاس ومجموعته بصورة سلبية وإستعلائية في عيون المؤمنين بالمقاومة ، أعاد
نحاس تصويب موقعه السجالي بوجه أعداء المقاومة الذين لا يرون في الحراك الشعبي
الا مدخلا لتخديم وتزييت ىلة المواجهة الداخلية والخارجية مع المقاومة .
- المشكلة التي لا يمكن تجاهلها مع أطروحات نحاس وفريقه ، التي تقوم على ما يسميه
بالإنقتال السلمي للسلطة ، والتفاوض على تحقيقه لبلوغ المرحلة الإنتقالية التي يثقون
بحتميتها ، أنهم يقعون مرة أخرى في ما حذروا منه ، وهو إسقاط النوايا الطيبة على
التحليل والسياسة ، بصفتهما أدوات علمية لا مكان للرغبات والمشاعر فيها ، فالقراءة
التي تحكم المقاربة تمنح الشق الداخلي حجما أكبر من الواقع بالقياس لعلاقته بالخارج ،
فكيف يكون خيار السقوط الحتمي للصيغة القائمة على المحاصصة والفساد وقد عومها
الخارج منذ العام 1998 وفقا لما يقدمه ويشرحه نحاس بإتقان ، طالما ان الجزء
الرئيسي من تجفيف العملات الصعبة يأتي في سياق الحصار والضغوط الهادفة لإسقاط
المقاومة ، وهذا يفتح الباب لحد إحتمالين ، الأول ان يستمر الرهان الخارجي على هذه
السياسة ، وعندها ستسقط رهانات الحصول على عملات صعبة من صندوق النقد
الدولي وسواه ، ولا يحتاج نحاس لمن يشرح له الترابط بين سياسات الصندوق والدور
الوظيفي لها في خدمة الحسابات الأميركية ، ويصبح التطلع لمرحلة إنتقالية تستند الى
فرضية الحصول على التمويل مجرد رهان على النوايا الحسنة ، لأن التمويل لا صلة
لها بالإصلاح ولا ببناء دولة تستطيع إقناع الخارج بجديتها وصدقيتها وشفافيتها ، بقدر
علاقته العضوية بمصير المقاومة وسلاحها ، موقف الدولة منهما ، والخيار الثاني هو
أن تنتهي التحولات الإقليمية والدولية الى تسويات يكون بموجبها فرصة جديدة شبيهة
للفرص السابقة لتلاقي طرفي النزاع الإقليمي ، الأميركي ومحور المقاومة ، على
الإفراج عن لبنان من دائرة الجفاف المالي ، وهذا لن يكون مشروطا بأي بنية للدولة
تقوم في لبنان ، بقدر إتصاله بالتوازانت التي يمثلها لبنان في المعدالات الإقليمية ، بمثل
ما كان عليه الحال مرات كثيرة أدت الى اعادة انتاج النظام نفسه .
- كل من الخيارين الفرضيتين ، استمرار رهان الحصار او انتصار خيار التسويات ، لا
يمكن توصيف تجاهله الا بالنوايا الحسنة ، بدلا من التحليل العلمي والعملي للسياسة ،
ومن هنا يشتق وقوع جديد في حسابات النوايا الحسنة بالرهان على فرضية تسليم
المعنيين بالسلطة بفرضية المرحلة الإنتقالية ، طالما ان نظام يصفه نحاس بانه قائم
على التسول وتصدير المهاجرين ، قادر على استعادة توازنه المالي وتخفيض سقف
حاجاته ، بما يتناسب مع حجم المخصص له في المعادلات الدولية والاقليمية ، من

خلال ما يصححه سعر الصرف المرتفع في كلفة الاستيراد من جهة ، وحجم الاستهلاك
من جهة موازية ، ومن خلال ما يصححه عائد تحويلات المهاجرين الجدد ف يميزان
المدفوعات ، وهذه خاصية دورية كل عقود يعيد انتاجها النظام مع الاختناقات
والازمات ، وطالما كان تمويل النظام السياسي والامني في لبنان مبينا على دفع فاتورة
حفظ الاستقرار الاقليمي الذي يتأثر كثيرا باللااستقرار في لبنان ، ويصير التوقع بتلبية
اصحاب القرار لدعوات الانتقال السلمي للسلطة مجرد وقوع في الرهان على نوايا
حسنة .
- ما ينتقده نحاس في المراهنين على الإنتخابات النيابية ، سواء المبكرة أو المتأخرة ،
لجهة اعتبار قدرة الانتخابات على انتاج تغيير مجرد وهم ، خصوصا ان التذرع بقانون
الانتخابات كذبة كبيرة ، لان من لديه اغلبية شعبية ، سيمسك بالاغلبية النيابية في اي
قانون انتخابات طالما ان اغلبيته عابرة للطوائف ، وسيحصد تمثيلا يمنحه حق الفيتو
في النظام السياسي على الأقل ، اذا كانت اغلبيته موزعة بطريقة غير متوازنة بين
الطوائف ، ويحق لنحاس ومجموعته توصيف هذه الرهانات بالوقوع في النوايا الحسن
بأحسن الأحوال ، لكن نحاس يعود ويقع في رهان النوايا الحسنة بالإعتقاد ان الإنتقال
لدلولة المدنية هو تطور حتمي ناتج عن مأزق النظام البنيوي ، وهو ما تنفيه القراءة
المقارنة للأزمة الراهنة وأزمة السبعينات ، التي كانت مع بداياتها أقرب للدولة المدنية
من بدايات الأزمة الراهنة ، ونجح النظام السياسي الإقتصادي بإعادة إنتاج ذاته من
رحمها ، ولا شيئ يقول بأنه سيفشل هذه المرة ، مع درجة تخندق وتجزر أوسع افقيا
وأشد وضوحا وعصبية عموديا ، لشبكة المواقف والمصالح المنعقدة حول الخنادق
الطائفية .
- ستبقى نقطة البداية لتغيير جدي منشود في لبنان هي في لقاء القوى غير الطائفية حول
مشروع طويل النفس ، واقامة حوار جدي بينها وبين المقاومة لادارة معركة هادئة
متدرجة لانتاج توزان قوى قادر على فتح نافذة نحو صعود تحالف عابر للطوائف بعيد
عن المحاصصات الطائفية ، ومؤمن بان حفظ الإستقلال الوطني هو شرط حاكم
وحاسم من شروط بناء الدولة ، وأن حفظ المقاومة من مقومات هذا الإستقلال .

2020-12-01 | عدد القراءات 1619