- خلال الأيام التي مرت بعد إغتيال رمز الملف النووي الإيراني العالم محسن فخري
زادة ، حبس العالم أنفاسه وتزاحمت التحليلات حول مخاطر تدحرج المنطقة الى حالة
حرب ، وكثر الكلام عن خطة اسرائيلية يدعمها الرئيس دونالد ترامب وولي العهد
السعودي محمد بن سلمان ، لاستدراج ايران لرد يقلب الطاولة ويجبر اميركا على
دخول حرب الى جانب كيان الاحتلال والسعودية في مواجهة ايران ، وقطع الطريق
على اي امكانية لتوجه الرئيس المنتخب جو بايدن نحو العودة الى التفاهم النووي مع
ايران ، بعد دخوله الى البيت الأبيض ، وكانت النخب الأميركية الديمقراطية والمساندة
بقوة للرئيس بايدن أول المعنيين بما يجب عمله لتدراك هذا الخطر .
- إيران كانت واضحة وحاسمة لجهة حتمية الرد على الإستهداف الذي إتهمت كيان
الإحتلال بالوقوف خلفه ، بالتعاون مع ادارة ترامب والحكومات الخليجية المساندة ، من
خلال كلام علني لوزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف عن دور لقاء وزير
الخارجية الأميركية مايك بومبيو ونتنياهو وبن سلمان في قرار الإغتيال وتوفير
مستلزماته ، وظهر خلال اليومين الماضيين أن هناك مساع تحت الطاولة لحصر
الأضرار والحؤول دون اعدام ولاية بايدن قبل ان تبدأ ، ولا يمكن فصل بعض
المواقف التي حملها الإعلام الأميركي عن سياق هذه المساعي ، وإلا ما معنى الكلام
المنسوب لمسؤولين كباؤ في البنتاغون على شبكة سي ان ان ، عن التحذير من ان
يطال الرد الايراني استهداف مصالح ومواقع وشخصيات اميركية ، وهذا في مفهوم
العلاقات الدولية بين خصوم يسمى رسم قواعد الإشتباك ، فهو اعلان اميركي عن قبول
الرد الإيراني عندما لا يطال الأميركيين ، وفي علم السياسة وقواعدها لا يمكن لهذا
الموقف أن يصدر مجانا ، والمنطقي والطبيعي ان يكون الإعلان حاصل تفاوض قادته
مساع ووساطات .
- بالتوازي وفي ذات اليوم شهد العالم خبران كبيران ، الأول هو موقف للرئيس المنتخب
جو بايدن يوضح فيه للمرة الأولى القرار بالعودة للاتفاق النووي والتفاوض من داخل
صيغته على سائر القضايا الخلافية ، بينما كان الموقف السابق لبايدن غائما بمزج
الحديث عن العودة للإتفاق والتفاوض حول الخلافات ، لجهة التزامن وحدود الأسبقية ،
مقابل وضوح المطلب الإيراني الذي يشترط العودة إلى الإتفاق قبل اي بحث آخر ،
وكان واضحا ان هذا خلاف عميق بين القيادة الايرانية وبايدن وفريقه ، وفقا لما نقله
الوسطاء ، وهو ما حمله رد ظريف على بايدن وفريقه بكلام تفصيلي عن عدم الحاجة
لأي تفاوض يسبق العودة للإتفاق ، وفيما وضع بايدن في مواقفه المعلنة الجديدة شرطا
واحدا هو التزام ايران بموجبات الاتفاق النووي عليها ، كان الخبر الثاني في نفس اليوم
هو اعلان الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني عن رفضه لتنفيذ القانون الذي اقره
مجلس الشورى الإيراني برفع تخصيب اليورانيوم الى درجة ال20% ، والإمتناع عن
التعاون مع مفتشي وكالة الطاقة الذرية ، مضيفا ان هذه الخطوات تتسبب بتعطيل
المساعي الدبلوماسية لحماية الإتفاق النووي ، ومنطقيا يستحيل ان يخرج روحاني
بموقف بهذا الحجم دون وجود ما يستحق على مستوى الجهود الدبلوماسية يضمن
المصالح الإيرانية العليا ، وترتضيه القيادة الإيرانية العليا .
- هذه التطورات لا تحدث عفوا ، فكيف اذا علمنا ان الذي حاور الرئيس بايدن هو
الصحافي توماس فريدمان ، من خلال عموده في نيويورك تايمز ، واضطر لاجرائه
على الهاتف ، من مسافات بعيدة ، علامة على الحاح نشر المواقف بتوقيت عاجل ،
وبالماقبل يقول فريدمان مرارا ان علاقته بوزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف
هي علاقة وطيدة تعود لثلاثين عاما ولم تتأثر بتراجع العلاقات الأميركية الإيرانية ،
وفريدمان أكثر من مجرد صحافي ، فهو ديمقراطي ومساند بحماسة لتولي بايدن مقاليد
الرئاسة ، وصولا للتحذير من خطر الحرب الأهلية ، وهو صاحب مبادرات سياسية
من موقعه الصحافي ، تجاه قضايا شديدة التعقيد والحساسية ، ولا يمكن ان ننسى انه
من كتب المبادرة العربية للسلام التي عرفت بمبادرة الملك السعودي عبدالله بن عبد
العزيز .
- البعض يقول ان فريدمان ادار خلال أيام صعبة مفاوضات أشد صعوبة بين بايدن
وظريف رسمت قواعد الإشتباك ، بتقبل رد ايراني لا يطال الاميركيين ، وبقواعد
واضحة متفق عليها تضمن العودة الى الاتفاق النووي ، وتم تظهير الالتزامات المتبادلة
بمواقف خرجت على الاعلام .
2020-12-03 | عدد القراءات 2918