الأسد وإسلام بلاد الشام نقاط على الحروف ناصر قنديل

ناصر قنديل

  • عندما يقول مرجع إسلامي بمرتبة وعلم  الشيخ ماهر حمود أنه عندما استمع الى حديث الرئيس بشار الأسد أول أمس في مجلس ضم كبار العلماء في سورية ، فوجئ بأن مستوى الحديث وعمقه في قضايا الفقه والعقيدة والقرآن والتفسير يضاهي كبار العلماء ، كما فوجئ بالرؤى الواضحة والعميقة في تناول القضايا التي تطال العالم الإسلامي في شؤون أعمق من السياسة ، فهذا بعض ما سيقع عليه كل من أتيح له سماع تدفق الرئيس الأسد في تناول شؤون شديدة التعقيد والحساسية والدقة ، على مدى ساعة ونصف متحدثا بتسلسل الإنتقال من عنوان الى آخر ، وتدعيم كل فكرة بالشواهد الدينية والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية والشواهد التاريخية ، وهو يرسم إطار المعركة التي يخوضها فكريا لمعالجة معضلات عمرها عقود طويلة عرفت بعناوين ، مثل العلمانية والتدين ، والعروبة والإسلام ، والإعتادل والتطرف ، ومهمة العلماء في التفسير وفهم السيرة وتقديم المثال في الخطوط الأمامية لمعارك الهوية ، وفي رسم مسارات السلم الإجتماعي ، وإرساء منظومة القيم الأخلاقية والوطنية والأسرية .
  • يتوج الأسد مساع قادها إصلاحيون كبار في العالمين العربي والإسلامي لتناول هذه القضايا الشائكة ، متقدما بشجاعة لخوض هذا المسلك الوعر ، والمحفوف بالمخاطر فيأخذ على عاتقه كمفكر إسلامي وقومي وعلماني ، تقديم تسخة جديدة من الفهم الفقهي والفكري والفلسفي ، تسعى لإستبدال المعارك الإفتراضية الوهمية بمصالحة تاريخية بين مفاهيم وقيم سامية تتعلق بها الشعوب والنخب ، لكنها تنقسم حولها ، وتتقاتل ، بدلا من ان تبحث عن نقاط التلاقي الجوهري التي تنطلق كما يقول الرئيس الأسد من الفطرة البشرية ، والسنة الإلهية والسنة التاريخية ، فالقيم السامية لا يمكن لها ان تتصادم ، وتعلق الشعوب بها لا يمكن ان يأتي متناقضا ، وعلى العلماء والمفكرين حل التناقض عندما يظهر ، وتفكيكه ، وهذه هي المهمة التي يتصدى لها الأسد بالغوص في عالم الفقه والفكر والفلسفة ، وهو يضع يده على جرح فكري خطير يتمثل بتوصيفه للدور الذي تقوم به المدرسة الليبرالية القائمة على تدمير وتفكيك كل البنى المجتمعية ، وعناصر الهوية ، لتحويل المجتمعات الى مجرد افراد يتسابقون على عيش بلا معنى ولا ضوابط ، أقرب للمفهوم الحيواني الغرائزي ، ولشريعة الغاب التي تحكمه .
  • الدور التاريخي للإسلام  في الشرق ، وتداخله التركيبي والتاريخي مع صناعة التحولات الكبرى ، والهويات الجامعة ، عنوان يحتاج الى شجاعة الأسد لمقاربته من منطلق التمسك بالعلمانية ، والقومية ، يدفع الأسد للكشف عن خطورة ادراك الذين يتطلعون لوضع اليد على هذا الشرق لأهمية احتلال الاسلام ، كاستثمار اقل كلفة من احتلال الأرض ، ويقوم مقامها واكثر ، فمن يحتل الإسلام ويلبس لبوسه وينطق بلسانه يقطع اكثر من نصف الطريق لتحقيق مشروعه ، ويكشف الأسد خطورة ادراكه لهذا الأمر في قلب الحرب على سورية كواحد من أبرز العناوين للحرب التي أعدت للسيطرة على سورية ، وبالتوازي ما أظهره الإسلام في سورية ، من النخب والعلماء والبيئة الإجتماعية من قدرة مقاومة لمشاريع الإحتلال الفكري ، والسياسي ، وما يتصل بها من سعي لتدمير الهوية والعقيدة والترابط الأسري والأخلاق ومنظومة القيم ، وهو ما حمله مشروع التطرف الممول والمبرمج بمئات الفضائيات لبث الفتن وزرع الخوف والتشجيع على الإرهاب ، بتناوب متقن بين طرفيه يغذي أحدهما الآخر ، ودفع علماء سورية في مواجهته تضحيات غالية من صفوف العلماء ، وأدوا في هذه المواجهة دورا يضعه الرئيس الأسد بمصاف دور الجيش على الجبهات .
  • تاريخيا كانت سورية هي نقطة الإرتكاز التي تاسست عليها الهوية القومية ، والتي امتلك منها الإسلام صفته كمشورع سايسي حضاري ، وأمام مدراس فقهية ودينية تتوزع بين الوهابية والأخوان المسلمين بقيادة سعودية وتركية ، كان التطلع دائما لإسلام بلاد الشام ليستنهض معه إسلام الأزهر ، ويشكلان معا نقطة التحول التاريخية في مسار الشرق ، بالتناغم مع فهم الهوية القومية للمجتمع ، والأساس العلماني للدولة ، وفي هذا الحديث التاريخي ، يبدو بوضوح أن الرئيس الأسد قد أخذ هذه المهمة الجليلة على عاتقه كمفكر ، وليس فقط كرئيس للدولة .

2020-12-09 | عدد القراءات 1848